باريس ــ بسّام الطيارةبعد استفتاء يوم الأحد الماضي، انتقلت جزيرة مايوت، إحدى الجزر الأربع التي تؤلف دولة جزر القمر العربية، من وضعية «إقليم ما وراء البحار»، إلى وضعية «مقاطعة فرنسية». مقاطعة باتت تحمل الرقم ١٠١ بنتيجة الاستفتاء الذي اختار عبره ٩٥ في المئة من السكان، الذين يبلغ عددهم ١٨٦ ألفاً، الانضمام إلى «فرنسا الأم».
ويرى بعض سكان جزر القمر أن هذا الاستفتاء، الذي كان الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي قد وعد به خلال حملته الانتخابية الرئاسية، يجري على «أرض محتلة». وقد تظاهر عدد من هؤلاء للتنديد بما وصفوه بـ«الإجراء الاستعماري». أما الحكومة المركزية فاعتبرت هذا الاستفتاء «باطلاً»، وهو ما تبنّته قمة الدوحة أول من أمس.
إذاً، قوّضت هذه النتيجة كل أمل في «توحيد أرخبيل جزر القمر»، لكنها أدخلت جزيرة مايوت في خضمّ تغيّرات كثيرة لا يبدو أن سكانها تمعّنوا بها خلال سنوات التحضير لهذا الاستفتاء.
بالطبع، سوف تفتح «عملية الضم» مجالاً لحصول السكان على مساعدات اجتماعية شبيهة بالمساعدات التي يحصل عليها الفرنسيون، مثل تعويضات البطالة وضمانات النظام الصحي وتعويضات المعوقين والعجزة. إلا أن عدداً لا بأس به من المساعدات الاجتماعية لن يأتي إلا بعد مرور سنوات طويلة يقدرها البعض بعشرين سنة، إذ إن الفارق بين مستوى مدخول الفرد في الجزيرة وفرنسا هو شاسع جداً. إلا أنّه مع إعلان نتائج الاستفتاء، «دخلت قوانين الجمهورية» حيز التنفيذ، وبات عدد من العادات والتقاليد بحكم المحظور، مثل تعدّد الزوجات. وبحسب مصدر في وزارة الداخلية الفرنسية، فإنّ الأوضاع الزوجية السابقة لتاريخ الانضمام «تظل مقبولة، إلا أن تعدد الزوجات لم يعد مسموحاً به بعد الآن». كذلك، فإن عمر الزواج بات ١٨ سنة للفتيات مثل الشباب، ويجب أن يكون «بتوافق حر» مع إلغاء سلطة «وليّ الأمر»، كما يجب أن يسجل الزواج مدنياً قبل أي حفل ديني.
وبين ليلة وضحاها، سوف تزول مهنة «القاضي» الذي كان يحكم في «شؤون المدينة وأهلها»: يقيم الزيجات ويسجل الطلاق ويقيم العدل عند اختلاف السكان في ما بينهم، ويحل المسائل استناداً إلى الشريعة والعادات. وقد تقرر أن يتحول القضاة الـ٢٢، الذين سوف تعينهم حكومة باريس، إلى «وسطاء جمهورية» لا دور لهم سوى التوسط بين السكان وممثلي الحكومة المركزية.
أمور كثيرة سوف تتغير في جزيرة مايوت أي «جزيرة الموت» كما كان يسمّيها العرب، إلا شيئاً واحداً لن يتغير وهو وضعها الاستراتيجي في الخليج الهندي في مواجهة شواطئ الصومال، ما يجعلها في وسط حلبة مصارعة القرصنة. وهنا يمكن فهم مبرر التضحيات الكبيرة التي بذلتها باريس عندما وافقت على ضمّ الجزيرة «المتخلّفة» إلى سيادتها.