أرنست خوريلا شكّ أنّ رئيس الحكومة التركية، رجب طيب أردوغان، بمواقفه القوية ضدّ المجازر الإسرائيلية في قطاع غزّة، وفّر لشعبه ولسياسيّي بلاده، حقنة مهمّة من المعنويّات ومشاعر الكبرياء الوطنية. كيف لا، وأردوغان سجّل اسمه كأهم مسؤول مسلم يواجه الحكّام العبريين، بمصطلحات من نوع «مجرمين» و«قتلة أطفال» و«مرتكبي جرائم ضدّ الإنسانيّة».
من هذا المنطلق، حين تفاتح مسؤولاً تركيّاً رفيع المستوى بالمكانة الجديدة التي باتت تركيا عموماً، وأردوغان خصوصاً، يحتلانها في قلوب اللبنانيين والعرب والمسلمين، لا يتردّد بإظهار ابتسامته العريضة المرفقة بعبارات «نعرف ذلك جيداً، أصبحنا نجوم الشارع العربي والمسلم».
ورغم أنّ المسؤول التركي يصارحك بأنه شخصياً فوجئ بمستوى الردّ القاسي لأردوغان على الرئيس الإسرائيلي شمعون بيريز على هامش أعمال منتدى دافوس، فإنه يعود ليبرّر سلوك رئيس حكومته بالتساؤل: «هل رأيت على التلفزيون كيف كان بيريز يحدّث المشاركين في الندوة؟ كان كالأستاذ في مدرسة، وكأنّ الآخرين تلاميذ في صفّه»، ليخلص إلى اعتبار أنّ ردّ فعل أردوغان مبرّر سياسياً وعاطفياً، إذ إنه رئيس وزراء دولة كبرى، ولا يرضى بأن يخاطبه أيّ كان بهذه اللهجة.
ولا يزال المسؤول نفسه حتى اليوم مفاجأً، لا بل «ممتعضاً»، من سلوك الأمين العام للجامعة العربية، عمرو موسى، بعدما نأى الأخير بنفسه عن التمثّل بموقف أردوغان، ومغادرة قاعة الندوة في دافوس على خلفية السجال مع بيريز.
وعمّا يُحكى عن تداعيات سلبية محتملة على العلاقات التركية ــ الإسرائيلية، يبدو الدبلوماسي التركي مطمئنّاً، على قاعدة أن «لا أحد يمكنه الاستغناء عن تركيا ودورها لإحلال التوازن في المنطقة». ويقول في هذا الصدد إن «إسرائيل بحاجة إلينا ونحن بحاجة إليها، بالتالي لن تتصدّع علاقاتنا». وحين تسأله عن القوى الرئيسية في المنطقة، يسارع إلى الجزم بأنّ العجلات الثلاث التي تسيّر سفينة الشرق الأوسط، هي تركيا وإسرائيل و«مصر طبعاً».
وفي حديثه، تتلمّس رأياً في العلاقات التركيّة ــ العربية القائمة على مبدأ أن تركيا تعرف دورها، وكذلك الحكام العرب لا يقلّلون من هذا الدور. ولا يتردّد في الإعراب عن ثقته بأنّ الشعوب العربية بدأت تضغط على حكّامها لكي تكون المواقف الرسمية قريبة من نبض الناس. ملاحظة تكتسب قيمتها حين تدرك أن المصدر المذكور، له باع طويل في العمل الدبلوماسي في دول عربية، وخصوصاً خليجية.
هكذا، فحتى أردوغان ما كان ليتّخذ هذه المواقف «القوية»، لو أنه لم يشعر بضرورة رفع سقف ردود فعل حكومته، لتواكب نبض الشارع التركي. وفي ذروة الصراحة، لا ينسى المسؤول التذكير بأنّ «تركيا مقبلة على انتخابات مهمّة (في آذار المقبل)، والجميع، ومن ضمنهم أردوغان وحزبه، يسعى لمواكبة الرأي العام في البلاد».
صورة مشرقة جداً يرسمها الدبلوماسي التركي لدور بلاده على الصعيد الخارجي كما الداخلي؛ لا أحد يمكنه انتزاع مكانة تركيا إقليمياً ودولياً. خيار الانقلاب العسكري بات شبه معدوم بدليل مسلسل الحملة على عصابات «إرغينيكون»، والوضع «يتحسّن باطّراد بين الحكومة والجيش» في ظل قيادة إلكر باسبوغ للمؤسسة العسكرية. كما أنّ أنقرة «ليست بحاجة فعلاً إلى صندوق النقد الدولي» وإلى أمواله. ورغم اعترافه بأنّ الأزمة المالية العالمية أثرت جدياً في الاقتصاد التركي، فإنه يعود ليذكّر بأن الاقتصاد التركي بات يحتلّ المرتبة السادسة في أوروبا، ووضع الليرة يتحسّن... كل هذه المعطيات يسردها الدبلوماسي ليشير إلى أنّ بلاده باتت بعيدة عن خطر «ابتزازها» سياسياً بورقة الاقتصاد من جانب المؤسسات المالية العالمية الخاضعة لإرادة واشنطن.