درجت العادة على أن تختار واشنطن سفراءها في المنطقة العربية، من بين الخبراء. لكن كريستوفر هيل خبير آسيوي، لا يملّ من محاورة الأصدقاء... والأعداء
واشنطن ــ محمد سعيد
بات شبه محسوم أن يُعلَن رسمياً من واشنطن، عن تعيين مساعد وزير الخارجية الأميركي لشؤون شرق آسيا والمحيط الهادئ، كريستوفر هيل، سفيراً جديداً للولايات المتحدة لدى العراق، خلفاً لريان كروكر، الذي دفعه وضعه الصحي إلى طلب التقاعد من السلك الدبلوماسي. ختام يراه الرجل مسكاً، إذ إنّ التاريخ سيسجل لكروكر أنه أنجز مهمته بتوقيع الاتفاقية الأمنية الأميركية ـــــ العراقية في تشرين الثاني الماضي.
وكان اسم هيل قد طفا على السطح كخلف محتمل لكروكر، الذي يجيد اللغة العربية وخدم في عدد من دول المنطقة بينها سوريا ولبنان والكويت. قيمة مضافة يفتقدها هيل، الذي أمضى سنوات خدمته منذ تعيينه في السلك الدبلوماسي في عام 1977 في دول خارج المنطقة العربية، لكنه تعامل أيضاً مع بلدان وملفات دول أوروبية شرقية ذات غالبية إسلامية. نقص في المعرفة العربية قد تعوّضها الخبرة الواسعة لدى الرجل، في الشأن الأوروبي الشرقي، والآسيوي الشرقي، بحيث عمل سفيراً لبلاده لدى كل من كوريا الجنوبية وبولندا ومقدونيا، بالإضافة إلى أنه كان موفداً خاصاً إلى كوسوفو.
وبما أنّ والد هيل، المولود في عام 1952، كان يخدم في السلك الدبلوماسي الأميركي، فإنّ الطفل اعتاد التنقل بين عواصم العالم باكراً، حتى استقرت العائلة في بلدة ليتيل كومبتون، في ولاية رود آيلاند على الساحل الشرقي للولايات المتحدة، بعد طرد الدبلوماسيين الأميركيين، وبينهم والده، من هاييتي. وحينها، كان هيل يبلغ الثانية عشرة من العمر فقط.
وفي عامه الثاني والعشرين، التحق متطوعاً بفيالق السلام في الكاميرون، حيث مكث حتى عام 1976. المهمة الأفريقية علّمته أول دروس الدبلوماسية. وباب التطوّع سمح له باجتياز اختبار التعيين في السلك الدبلوماسي لوزارة الخارجية، وهو ما أهّله لأن يصبح موظفاً دبلوماسياً في عام 1977، وكانت أولى مهماته، العمل ملحقاً اقتصادياً في السفارة الأميركية في عاصمة كوريا الجنوبية، سيول، بين عامي 1983 و1985. وبعد هذه المرحلة، رُفّع إلى مرتبة سفير أميركي لدى مقدونيا بين عامي 1996 و1999، ومن ثمّ مبعوثاً خاصاً إلى كوسوفو (1998ـــــ1999)، وبعدها سفيراً لدى بولندا. وعام 2004، عاد إلى سيول برتبة سفير أيضاً، قبل أن يُرقّى إلى مساعد لوزير الخارجية لشؤون شرقي آسيا والمحيط الهادئ.
وكان هيل قد شارك في الطاقم الأميركي المفاوض برئاسة ريتشارد هولبروك، لعقد اتفاق «سلام دايتون»، لإنهاء الصراع في البوسنة في عام 1995. وفي كتابه عن مفاوضات دايتون، وصفه هولبروك بأنه «عبقري لا يهاب، ومجادل رفيع المستوى».
وفي 14 شباط 2005، ترأّس هيل وفد بلاده إلى محادثات مجموعة الست، لحل أزمة ملف كوريا الشمالية النووي. ويُعرَف عنه تفضيله دبلوماسية الحديث مع الأعداء، لا الأصدقاء فقط. ومن هذا المنطلق، أمضى السنوات الأربع الماضية في عهد إدارة جورج بوش، التي كانت تحمل أجندة سياسية عدوانية، في إجراء محادثات هدفت إلى إنهاء برنامج بيونغ يانغ النووي، بعدما كان الخطاب الأميركي تجاه هذا النظام، يطغى عليه التلويح باستعمال القوة.
وإذا وافق مجلس الشيوخ على اسم هيل ليتولّى المنصب في بغداد، فستكون مهمته الإشراف على تنفيذ تعهّد الرئيس باراك أوباما، بسحب قوات الاحتلال الأميركي من العراق في غضون 16 شهراً.
وما يثير الانتباه، أن هيل في خطاب ألقاه قبل فترة في «الجمعية الآسيوية» في نيويورك، رفض الرد على أسئلة بشأن العراق أو عن مستقبله، وفضّل قصر كلمته على كوريا الشمالية، ملفه المحبّب.
وفي المناسبة نفسها، حين سئل عن الطموحات النووية الإيرانية، قال: «اختصاصي ينتهي عند الهيمالايا». غير أنه عاد ورضخ مجيباً بأنّ إيران وكوريا الشمالية تسعيان لامتلاك أسلحة نووية «لكنهما تحدّيان مختلفان تماماً» بالنسبة لواشنطن.
وبالرغم من تأكيده أن إطاراً مماثلاً لما تم التوصل إليه مع كوريا الشمالية، قد لا ينفع بالضرورة مع إيران، فإنه أصرّ على اعتماد «الدبلوماسية المباشرة» مع النظام الإسلامي. وتبريره خيار المفاوضات المباشرة حتى مع الأعداء، يختصره بالتالي: «لقد وجدت أنه من الأفضل كثيراً أن تتأكد من أن محاورك، وفي بعض الأحيان خصمك، يفهم بكل وضوح وجهات نظرك. ولتفعل ذلك عليك أن تعبر عنها مباشرة».
ويضيف في هذا السياق «بعض المجتمعات غير الديموقراطية، تجلس ويستمع بعضها للآخر. وحين يجيء الوقت لتلتقي بهم، عليك أن تهدّئهم نفسياً من بعض المواقف السخيفة. الدبلوماسية تتطلب الحديث مع أناس تختلف معهم في الأساس».