أحسن الكاتب الصحافي، باتريك تايلر، صنعاً حين وصف سياسات الإدارات الأميركية المتعاقبة تجاه الشرق الأوسط بأنها «عالم مضطرب»، فكان كتابه الجديد، الذي حمل هذا الاسم، سيرة فشل رؤساء أميركا في المنطقة
واشنطن ــ محمد سعيد
يقول الصحافي الأميركي، باتريك تايلر، في كتابه «عالم مضطرب: البيت الأبيض والشرق الأوسط، من الحرب الباردة إلى الحرب على الإرهاب»، إن الرئيس باراك أوباما يرث تركة دبلوماسية تعسة ومختلطة، هي تاريخ من الأخطاء في الحسابات واللامبالاة، والتردد. ويضيف «أحياناً يجري إحراز بعض التقدم، لكن تقضي عليه الأهداف المتضاربة والملل وعدم الاهتمام الكافي».
الكتاب، الذي صدر في مطلع الشهر الماضي عن دار نشر «فارار، شتراوس وغريوك»، أثار جدلاً في الأوساط السياسية والإعلامية لكونه قد حوى الكثير من القصص التي استقاها تايلر من بعض مصادره، مركّزاً على تعاطي الرؤساء الأميركيين من دوايت أيزنهاور حتى جورج بوش الابن مع الشرق الأوسط، وتحديداً عملية تسوية الصراع العربي ــ الإسرائيلي.
الكتاب مليء بالتقويمات المثيرة، ومنها أن «أزمة السويس كانت أفضل تجليات أيزنهاور، وكانت كل خطوة اتخذها قد ربطت الولايات المتحدة برباط وثيق بميثاق الأمم المتحدة»، مشيراً إلى أن أيزنهاور «كان يتحرك بذكاء وأحياناً بقسوة».
كما يسرد تايلر، وهو صحافي معروف في صحيفتي «نيويورك تايمز» و«واشنطن بوست»، دور الرئيس الأميركي الراحل ليندون جونسون قبل العدوان الذي شنته إسرائيل على الدول العربية في حزيران 1967. ويقول إن جونسون «لم يُسئ فهم الوضع على الأرض فحسب، بل فشل في إرغام إسرائيل على الانسحاب من الأراضي العربية التي احتلتها آنذاك».
كما انتقد تايلر بقسوة الرئيس ريتشارد نيكسون ووزير خارجيته هنري كيسنجر لفشلهما في العمل على اقتراح قدمه الرئيس السوفياتي آنذاك ليونيد بريجينيف لفرض تسوية سياسية في موضوع الأراضي المحتلة بين إسرائيل والدول العربية. وقال إن كيسنجر أمر في «حرب تشرين الأول 1973» بإرسال جسر جوي لتزويد إسرائيل بالأسلحة، بينما كان نيكسون يكافح لتفادي فضيحة «ووتر غايت».
كذلك، يشير المؤلف إلى فشل الولايات المتحدة في توقّع بروز التشدّد الإسلامي والأيديولوجية الجهادية. ويستشهد في ذلك بالرئيس السابق لجهاز «الموساد» الإسرائيلي، أفرايم هاليفي، حين قال «لم تكن الولايات المتحدة وحدها التي تجاهلت إمكان بروز الراديكالية الإسلامية. ففي الحقيقة، يجب الاعتراف بأنه حتى في إسرائيل، التي كانت قريبة جداً إلى العالم العربي وترصد كل تغيير واتجاه في الدول المجاورة لها، لم يسجّل التأثير الحاسم لما كان يجري».
ويعتقد الكاتب أن فشل الولايات المتحدة في المنطقة يعود إلى «تعنت» إسرائيل والنفوذ الواسع لـ «اللوبي» الإسرائيلي في واشنطن.
ومن بين القصص التي يرويها تايلر في كتابه، مشهد بطله المدير السابق لوكالة الاستخبارات المركزية الأميركية (سي آي إيه)، جورج تينيت، إذ يقول إنه عندما كان تينيت في بداية عام 2004 في السعودية، التي نزل فيها ضيفاً في قصر يملكه الأمير بندر بن سلطان، طلب كأساً من الويسكي عقب تلقّيه مكالمة عبر أحد هواتفه الأمنية، التي علم فيها من مساعديه أن البيت الأبيض خطّط لإلقاء اللوم عليه وعلى الوكالة بسبب الفشل الاستخباري قبل الحرب على العراق.
ويضيف تايلر إن تينيت لم يتمكن من النوم فتناول حبة دواء، لكنه خرج مكروباً من غرفته، مرتدياً سروالاً داخلياً و«فانيلة» ما أثار دهشة بندر وأحد مساعديه. ويتابع أن تينيت بعدما شرب معظم زجاجة الويسكي طلب المزيد وبدأ يصرخ ضد «اليهود الذين يمثّلون المحافظين الجدد.. إنهم يتآمرون ضدي، الأوغاد يتآمرون ضدي. لكنني لن أعطيهم الفرصة لذلك».
وينقل تايلر عن أحد الشهود أن تينيت سخر من المحافظين الجدد في إدارة بوش وانحيازهم إلى جانب الجناح اليميني في إسرائيل، مشيراً إلى أنهم روّجوا لقصة أسلحة الدمار الشامل العراقية، وأنهم يريدون تدميره.
في وقت لاحق، نفى تينيت واقعة وجوده في قصر بندر، كما نفى أن يكون قد تفوّه بما ذكره الكتاب. وأصدر مجلس الأمن الوطني السعودي، الذي يرأسه بندر بن سلطان، بياناً في 17 كانون الثاني الماضي، نفى فيه أن يكون تينيت خلال زيارته للسعودية قد تفوّه بهذه الملاحظات ضد اليهود أمام أي مسؤول حكومي.