لنحو ثلاثين عاماً، عاش مجرم الحرب النازي، أريبرت هايم، الذي يلقّب بـ«جزار ماونتهاوزن»، في فندق «قصر المدينة» في القاهرة، منتحلاً صفة طبيب مصري، يمارس الشعائر الإسلامية، لا يُفوّت صلاة في المسجد ويصوم رمضان إلى أن مات من السرطان عام 1992أكّدت السلطات الألمانية، أول من أمس، أنها تملك منذ فترة قصيرة «معلومات جدّية تُرجّح وفاة مجرم الحرب النازي، أريبرت هايم، في مصر عام 1992»، وأنّها «ستبحث عن رفاته للتحقق من هذه المعلومات».
وقال متحدث باسم الشرطة الجنائية في بادي فروتنبورغ، مقرّ خلية مكلفة التحقيق حول هايم، إن «المحققين الألمان حصلوا على معلومات جدّية مصدرها المحيطون بجزار ماونتهاوزن»، كما يُطلق على هايم. وأضاف أن الشرطة لا يمكنها أن تؤكّد وفاة هايم، لكن المحققين سيحاولون العثور على رفاته في مصر حيث كان يعيش منذ عام 1962 بأسماء مستعارة. وكان المحققون قد تلقّوا بين 1965 و1967 معلومات عن وجود هايم في مصر، إلا أن السلطات المصرية لم تؤكّد هذه المعلومات يومها.
وكان تحقيق مشترك لشبكة التلفزيون الألمانية «زي دي أف» وصحيفة «نيويورك تايمز» قد كشف، استناداً إلى معلومات من نجل هايم، روديغر، أنّ جزار ماونتهاوزن تُوفي بمرض السرطان عام 1992 في مصر حيث عاش متخفيّاً طوال نصف قرن، اعتنق خلاله الإسلام وانتحل صفة طبيب مصري باسم طارق فريد حسين.
غير أن مدير قناة «مركز سيمون فيزنتال» التلفزيونية المتخصصة في تعقّب المجرمين النازيين، أفراييم زوروف، تحفّظ على هذه المعلومات. وقال «حتى الساعة لا توجد جثة ولا قبر، وبالتالي لا تأكيد على وفاته بواسطة فحوص الحمض النووي (دي أن أي)». وكان زوروف قد ذكر في تموز الماضي أنّ هايم لا يزال حياً ويعيش إما في الأرجنتين أو تشيلي.
ويتذكر جمال أبو أحمد، الذي يعيش في غرفة طبيب الموت السابق في الطابق السادس من فندق «قصر المدينة»، هايم. ويقول «كان كالعملاق، لم يكن يثرثر كثيراً، لكنه لم يفوّت أيّ صلاة في المسجد».
ولم يُفاجأ أبو أحمد عندما علم بهوية النازي السابق، قائلاً «أعرفه مذ كنت في 17 من عمري، عرفت دكتور طارق الذي كنت أراه كل يوم، كان ألمانياً ومسلماً». ويتابع «حياته كانت منظّمة جداً، تمارين صباحية، ثم صلاة في مسجد الأزهر الرئيسي، وفصول طويلة من القراءة والكتابة على كرسي هزاز».
ولا يعلم متى قدم هايم بالضبط إلى القاهرة، لكن عائلة الدوما التي تملك الفندق، ومديره الجندي المصري السابق، محمد شريف، الذي يتحدث الألمانية، كانت لهما علاقات جيدة مع النازيين. وذكرت «فرانس برس» أنّ 100 وثيقة تمتلكها عائلة دوما فضحت هوية هايم، فضلاً عن شهادة نجله الطبيب، الذي اعترف بأنه كان يعالجه من السرطان.
ويتابع أبو أحمد سرد روايته «كان وحيداً جداً، ورعاً، لم تكن لديه لحية كثيفة، لكنه لم يكن حليق الذقن أيضاً، كان يصوم دائماً خلال شهر رمضان». وأضاف «وُجد ميتاً في غرفته، لم يكن هناك أي تحضيرات للدفن عندما أتت الإسعاف وأخذت جثته التي دُفنت في مقبرة جماعية».
وُلد هايم في النمسا عام 1914، وانضم إلى الحزب النازي عندما كانت العضوية فيه لا تزال غير قانونية، ثم أصبح عضواً في حرس النخبة لأدولف هتلر عام 1940. قَتل وعذب المئات في معسكر اعتقال ماوتهاوزن، شمال النمسا. سُمّي «جزار ماونتهاوزن» لأنه كان يحقن ضحاياه بالسم في القلب أو بإخراج أحشائهم من دون مخدّر. وتصدّر طويلاً المرتبة الثانية في قائمة مجرمي الحرب النازيين، الذين يجري البحث عنهم، بعد الويس برونر، المساعد الرئيسي لأدولف أيشمان، الذي يُفترض أنّه توفي أيضاً.
(أ ف ب، أ ب)