لا أحد راضٍ عن الرئيس نيكولا ساركوزي: الصحف، وأهل اليسار والطلاب والأساتذة والطبقات الشعبية خصوصاً. حقيقة يحاول مواجهتها بالإعراب عن تعبه من الرئاسة، في الوقت الذي يولَد فيه حزب يساري جديد
باريس ــ بسّام الطيارة
تعيش فرنسا هذه الأيام، أجواء ضغط وتوتّر سياسيّين. وتظهر كل استطلاعات الرأي «خوف الفرنسيّين من المستقبل وتراجع ثقتهم بالطاقم السياسي» الحالي، وهي قناعة رسّختها مفاعيل الأزمة المالية العالمية.
وأمام تلك الظروف، خرج الرئيس نيكولا ساركوزي إعلامياً، في محاولة لامتصاص القلق الاجتماعي الذي تجلّى في التظاهرة التي جمعت ما يزيد على مليوني شخص في مدن فرنسا. قلق تنتقل عدواه من شريحة اجتماعية إلى أخرى، وكان آخرها جسم الأساتذة الجامعيين والباحثين الذين أعلنوا إضراباً مفتوحاً، تتّسع دائرته يومياً، لتطال معظم الجامعات. وقد نظّم هؤلاء أخيراً، مسيرة في باريس، جمعت ١٥ ألف شخص، طالبوا خلالها بسحب «مجمل المشاريع الإصلاحية» التي تتعلق بالتعليم العالي والبحوث.
ولم تنجح مداخلة ساركوزي الإعلامية، لا في إقناع النقابات المستبعدة من الحوار الاجتماعي أصلاً، ولا بإرضاء المعارضة الاشتراكية.
وفي ظل هذه المعطيات، لا تتوقف شعبية رئيس الدولة ورئيس وزرائه عن التراجع بحسب ما تؤكّده آخر استطلاعات الرأي، حتى إنّ تنظيم هذا اللقاء المتلفز من الإليزيه، استجلب كمّاً من الانتقادات، على خلفية طريقة «اختيار الصحافيين» الذين حاوروا الرئيس.
فالقاعدة المتبعة في تقاليد الظهور التلفزيوني للرؤساء الفرنسيين، تقوم على اختيار الرئاسة المؤسسات الإعلامية التي يُترَك لها خيار انتداب الصحافي بحسب الموضوع الأساسي للقاء. وفي المناسبات الماضية، كان يُراعى مبدأ الموازنة بين المؤسسات الخاصة والعامة في قطاع المرئي والمسموع. وقد ضجّت الصحف بانتقادات عن طريقة اختيار الإعلاميين في الظهور الأخير، إذ خضع هؤلاء لـ«كاستينغ» سبق موافقة فريق الإليزيه على محاورتهم الرئيس. تصرّف «غير لائق» يُضاف، برأي المعارضين، إلى قافلة من الاستياءات في الوسط الصحافي، لطريقة تعاطي ساركوزي معهم. وقد وجدت الصحافة الفرنسية، موضوعاً خصباً لمهاجمة الرئيس وفريقه مع صدور كتاب كلود بيان، «العالم حسب ك»، الذي يتهم فيه الوزير برنار كوشنير بعدم النزاهة وبتضارب مصالحه الخاصة وشؤون الدولة التي «يدير» دبلوماسيّتها.
توقيت هذا اللغط الإعلامي، يضايق ساركوزي الذي يواجه تشنّجاً اجتماعياً في الداخل، و«تركة» عدوان غزة. ولم تغب «مسألة كوشنير» عن مقابلة الرئيس، الذي أعرب عن «ثقته الكبيرة» بوزيره الاشتراكي السابق، جازماً بأنه لن يتخلى عنه. يبقى إقصاء كوشنير قراراً يحتاج إلى فضيحة كبيرة، نظراً إلى أنه لا يزال يحظى بشعبية أكبر من تلك التي يحظى بها رئيسه.
ومن أبرز ما حملته المقابلة المتلفزة، إشارة ساركوزي إلى شكوكه بشأن ترشّحه لولاية ثانية عام ٢٠١٢، لأنّ الرئاسة «مهنة صعبة وتتطلب الكثير من الطاقة والقوة». غير أنه عاد ليخفّف من وطأة هذا التصريح، قائلاً «لَمِن المثير جداً أن أصل إلى اتخاذ قرار بهذه الأهمية، قبل الوصول إلى نصف ولايتي الأولى». وفي محاولة منه لتهدئة الغليان الذي يسود الشارع الفرنسي، تعهّد الرئيس باتخاذ تدابير اجتماعية لمساعدة الفرنسيين الأكثر فقراً، وبتخفيف الضرائب عن المؤسسات بقيمة ثمانية مليارات يورو، وإلغاء قسم من الضرائب المفروضة على الطبقات الوسطى. اقتراح رفضته النقابات وكذلك الأحزاب اليسارية، بما أنها «غير كافية».
وقد تزامنت مداخلة الرئيس التلفزيونية، مع إطلاق الشيوعي التروتسكي أوليفييه بزانسونو، «الحزب الجديد المعادي للرأسمالية»، ليحل مكان «الرابطة الشيوعية الثورية». حزب يسعى إلى «جذب الخائبين من الأحزاب اليسارية الكلاسيكية»، ويرافق مرحلة فتور شعبية إزاء أداء هذه الأحزاب، ما يمكن أن يؤهّله لاستقطاب عدد من المحازبين قبيل الانتخابات الأوروبية المقررة بين ٤ و٧ حزيران المقبل، رغم أن الأحزاب اليسارية تتّهم ساعي البريد بأنه «يلعب لعبة ساركوزي بإضعاف اليسار».