لا تزال مذكرة توقيف الرئيس السوداني عمر البشير مدار سجال دولي لجهة استخدام المادة 16 أو عدمه
نيويورك ــ نزار عبود
تتضاعف الضغوط على السودان قبل صدور قرار قضاة المحكمة الجنائية الدولية في شأن التهمة، التي وجهها المدعي العام لويس مورينو أوكمبو إلى الرئيس السوداني عمر حسن البشير، بارتكاب جرائم حرب وإبادة جماعية وجرائم ضد الإنسانية في إقليم دارفور. قرار قد يؤدي، في حال اتخاذه، إلى تداعيات خطيرة على الوضع السوداني الداخلي ومحيطه، وهو ما دفع الجامعة العربية والاتحاد الأفريقي ومنظمة المؤتمر الإسلامي للتحرك داخل أروقة الأمم المتحدة لتحريك المادة 16 من نظام روما، الذي يعطي الحق لمجلس الأمن بالطلب إلى المحكمة الجنائية إرجاء التحقيق أو المقاضاة لمدة اثني عشر شهراً.
لكن بعد وصول المبعوثين، رفضت مندوبة الولايات المتحدة، سوزان رايس، فكرة عقد مجلس الأمن اجتماعاً رسمياً بحضورهم، رغم أنها عقدت اجتماعات منفردة معهم. وهو ما أثار استياء بعض المندوبين، ما أدى في نهاية المطاف إلى عقد «جلسة تفاعلية» غير رسمية ضمت أعضاء مجلس الأمن وممثلين عن الوفدين العربي والأفريقي، إضافةً إلى ممثل عن البعثة القطرية.
وجرى خلال الجلسة، التي دامت ساعتين، شرح أخطار إصدار مذكرة توقيف بحق رئيس دولة في السلطة. وحذر الوفدان من أن فلتان الغضب من مثل هذا القرار من شأنه أن يحول المنطقة إلى ما يشبه الصومال. وفي نهاية الاجتماع تحدث رئيس المجلس الحالي، المندوب الياباني يوكوتو تاكاسو، عن «نقاش مفيد جداً جرى في الداخل»، كما عبر عن اهتمام الجميع بالحوار السياسي الذي يدور في الدوحة، واعتبره «مفيداً جداً للسلام».
من جهته، رأى المندوب السوداني، عبد المحمود عبد الحليم محمد، أن «الأزمة الحالية لها إيجابيات في كونها وحدت الشعب السوداني حول رئيسه». وأعرب عن عدم ثقته بمجلس الأمن الدولي «الذي يفتقر إلى الصدق والفاعلية».
أما مندوبو الدول الغربية الثلاث فرنسا والولايات المتحدة وبريطانيا، ومعهم مندوبا كرواتيا والنمسا، فأعربوا عن تمسكهم برفض تأجيل قرار المحكمة لعام آخر. وهو ما أعلنه نائب المندوب الفرنسي، جان ـ بيير لاكروا، أمس بقوله، إن فرنسا «غير مستعدة الآن لقبول فكرة تطبيق المادة 16»، وهو ما يعني صعوبة تمرير أي قرار لمصلحة حكومة السودان، من دون انضمام تركيا والمكسيك والنمسا، إضافةً إلى كل من الصين وروسيا وكتلة عدم الانحياز لدعم الدول الأفريقية والعربية.
وفي السياق، رأى الكثير من الدبلوماسيين في نيويورك أن تسريب أنباء عن اتخاذ المحكمة قراراً بإصدار مذكرة توقيف بحق البشير، وترافقها أيضاً مع امتناع فصائل صغيرة، عن المشاركة في مباحثات السلام في الدوحة، هو جزء من عملية ضغط دولي على السودان، في محاولةٍ لدفعه إلى تسليم مطلوبيين للمحكمة هما أحمد هارون وعلي قشيب. إذ يُعتقد أن المطلوبين في حال تسليمهما سيفشيان أسراراً عندما يمثلان أمام القضاء الدولي، قد تتضمن اتهام رؤسائهما بإصدار أوامر القتال، وهو ما يكفي بنظر الدول الغربية لإطاحة نظام الخرطوم في مرحلة لاحقة.
إلاّ أن الحكومة السودانية تنبّهت لهذا الأمر، وأخذت تعمل على تعديل قوانينها بما يسمح بمحاكمتهما على أراضيها، لقطع الطريق على المطالبة بتسليمهما. كما أن السودان يستند في موقفه الرافض للامتثال إلى طلبات المحكمة إلى مجموعة من المبررات، أهمها أنه لا يسلم سيادته إلى مجلس الأمن الدولي. كما أنه من الأمور الأخرى التي تأتي في مصلحته، أن الأمين العام للأمم المتحدة، بان كي مون، الذي طالب أخيراً الخرطوم بالامتثال للعدالة الدولية بغض النظر عن طبيعة القرار، أعرب في العديد من المناسبات عن خشيته من أن يؤدي توجيه اتهام إلى البشير إلى فقدان صلة الاتصال بالحكومة السودانية.
ومهما يكن قرار محكمة الجنايات، تعول الدول الغربية على استخدام المحاكم وسيلةَ ردع في وجه الأنظمة التي ترفض الانصياع لإرادتها ضمن ما بات يعرف بـ«قوة الردع الطريّة».