يبدو أنّ الانتقادات «غير المقبولة» التي وجّهها الجنرال الإسرائيلي، آفي مزراحي، إلى تركيا المتضامنة مع الفلسطينيين، هي من النوع الذي يفتح إشكالاً دبلوماسياً حامياً، لا تكفي معه محاولة تل أبيب التنصّل من التصريحاتتعيش العلاقات التركيّة ــ الإسرائيلية منذ 3 أيام أجواء انتقادات وتصريحات وتسريبات متبادلة، جاءت لتتوّج التوتّر الدبلوماسي القائم بين البلدين على خلفيّة المواقف التركية الحكوميّة الواضحة من المجازر الإسرائيلية بحقّ الشعب الفلسطيني.
وبدأت القصّة مع ما كشفت عنه صحيفة «هآرتس» يوم الجمعة الماضي، حين نشرت بياناً لقائد سلاح البرّ الإسرائيلي، آفي مزراحي، جاء فيه: «على (رئيس الحكومة التركية رجب طيب) أردوغان أن ينظر إلى المرآة، وحينها سيتذكّر المجازر التي ارتكبها الأتراك بحقّ الأرمن وقمع الأكراد واحتلال شمال جزيرة قبرص».
وما إن نُشر البيان، حتى تسارعت الردود التركية. وبعثت وزارة الخارجية رسالة دبلوماسية عاجلة إلى تل أبيب، تطلب فيها تفسيراً «عاجلاً وواضحاً» لتصريحات مزراحي. كذلك استُدعي السفير الإسرائيلي لدى أنقرة، غابي ليفي، إلى مقر الوزارة، لإبلاغه الاعتراض الشديد.
وأشار بيان الخارجية التركية إلى أنّ «ملاحظاته (مزراحي) تغتصب جميع الأعراف الدبلوماسية، وتتناقض مع الحقائق التاريخية»، ليخلص إلى اعتبار أن «هذه الاتهامات فاقدة لأي معنى وتستهدف رئيس الحكومة، لذلك اعترضنا عبر رسالة دبلوماسية».
وما لم يقله بيان «الخارجية» التركية، نطق به نائب رئيس الحكومة، كميل جيجيك، الذي لفت إلى أنّ التصريحات «غير مسؤولة، ومليئة بالمغالطات ولا تعبّر عن صداقة ولا تحترم الحقائق التاريخية».
ونقلت وكالة «أنباء الأناضول» عن جيجيك قوله: «نأمل من السلطات الإسرائيلية أن تفهم أن من شأن هذا الكلام أن يسبب أذىً بالغاً في علاقاتنا الثنائية»، حاثّاً إياها على المسارعة إلى إصدار بيان «يرضي الشارع التركي».
ولأنّ هذه الانتقادات تمسّ «الأمن القومي التركي»، كان لا بدّ من أن تتدخل المؤسسة العسكرية التركية، عبر بيان وصف كلام الجنرال الإسرائيلي بأنه «غير مقبول»، ومن شأنه أن يؤدّي إلى «تضرر العلاقات الإسرائيلية ــ التركية».
ووصف البيان العسكري مضمون موقف مزراحي بأنه «يقلب الحقائق، ومؤسف وغير مقبول بتاتاً، والأخطر فيه أنه قد يسبب أذى بحقّ المصالح المشتركة بين بلدينا». وناشد القيادة العسكرية الإسرائيلية توضيح كلام جنرالها، مذكّراً بأنّ «الجيش الإسرائيلي يعلّق أهمية استثنائية على علاقاته مع القوات التركية المسلّحة».
وفي السياق، رأت صحيفة «جيروزاليم بوست»، أول من أمس، أنّ الملاحظة التي حمّلتها وزارة الخارجية التركية لليفي، هدفها التسبب «باحتكاك» بين الجيشين التركي والإسرائيلي.
وفي اعتراض على استدعاء ليفي، ذكّرت «جيروزاليم بوست» بأنّ تل أبيب لم تستدعِ السفير التركي لديها لإبلاغه اعتراضها على مواقف أردوغان المناهضة لعدوان «الرصاص المصهور». ونوّهت بأنّ الجيش التركي «أبقى نفسه حينها فوق السجال رغم أن أردوغان استهدف إسرائيل بتصريحاته».
ولم يتأخّر الجيش الإسرائيلي عن محاولة لملمة ذيول الإشكال الدبلوماسي. فقد حيّد نفسه عمّا جاء على لسان مزراحي. وقال المتحدث باسمه، آفي بنياهو، في بيان: «يهمّنا جداً أن نوضح أنّ موقف الجنرال مزراحي لا يعكس الموقف الرسمي لجيش الدفاع الإسرائيلي».
(الأخبار)