انتفاضة على «وصفات ساركوزي» واللامساواة بين الأرخبيل والوطن الأمّباريس ــ بسّام الطيارة
«حرب عصابات»، هي العبارة التي تصدّرت عناوين الصحف الفرنسية لوصف ما يحدث في أرخبيل الأنتيل الفرنسي في بحر الكاريبي، تُرافقها صور السيارات المحترقة و«الشباب الملثمين»، الذين يعيثون عنفاً على حواجز الطرق.
رغم هذا المشهد السوداوي، لم يأتِ الرئيس الفرنسي، نيكولا ساركوزي، على ذكر «ملف الغوادلوب»، وهي كبرى جزر الأنتيل التي انطلقت منها شرارة الثورة، في مداخلته التلفزيونية التي خصصها أول من أمس لمعالجة الأزمة الاقتصادية الوطنية مكتفياً بالتعبير عن تفهمه لـ «يأس» السكان.
في المقابل، فإن وزيرة داخليته، ميشيل أليو ماري، أعلنت تعزيز حضور عناصر قوى الأمن الداخلي، وقرّرت إرسال أربع وحدات متخصّصة لمحاربة أعمال العنف، محذّرةً في الوقت نفسه من أنّ «أعمال العنف والنهب ضدّ الأشخاص والتجاوزات للقانون لن يُسمح بها في الأنتيل».
وانتقد أكثر من مراقب هذا «الإهمال الإعلامي والمعالجة الأمنية» لملفّ مواطنين يعيشون حال بؤس شديد تزيد عن حالات بؤس عديدين في الوطن الأم توجّه إليهم ساركوزي. كما أنّ حال عدم الرضى العامة عن أداء ساركوزي تتعزّز بحيث تُشير مجمل استطلاعات الرأي إلى أنّ المواطنين الفرنسيين لم يعودوا مقتنعين بـ«وصفات ساركوزي» وحكومته لمعالجة المشاكل الاقتصادية التي تعصف بالبلاد منذ أشهر. وأفاد أحد الاستطلاعات أنّ ٥٧ في المئة من المستطلعين يرون أن «وصفات ساركوزي» «لا تتلاءم ومعطيات الأزمة»، بينما رأى ٦١ في المئة أنّها «لا تذهب في اتجاه اهتماماتهم»، وكان هناك توافق إجماعي على مطلب «تعزيز قوّتهم الشرائية»، بينما طالب ٦٩ في المئة بـ«إعادة توازن توزيع الأرباح في المؤسسات» عن طريق رفع الحدّ الأدنى للأجور.
ويتمحور ما تطلبه شعوب الجزر الكاريبية الفرنسية حول «رفع الحدّ الأدنى للأجور بمعدل ٢٠٠ يورو». وقد استقبل ساركوزي، أمس، نوّاباً عن محافظات ما وراء البحار، لبحث المطالب.
هذه الإجراءات لم تُثنِ الاتحاد العمالي العام عن مواصلة تحرّكه، إذ رأى أمينه العام، برنار تيبو، أنّ التحرك يجب أن يستمر. بينما قال المسؤول في «القوة العاملة»، جان كلود مايي، إنّ «الاجتماع قصير للغاية، أُهملت بعض الأمور ويجب المحافظة على الضغط».
في هذا الوقت، كانت جمعية مكافحة الاستغلال تنظّم تظاهرة صباحية. وكان رئيسها، إيلي دوموتا، يدعو إلى الهدوء، مشكّكاً في الوقت نفسه في «الرواية الرسمية» المتعلّقة بمقتل نقابي قبل يومين، رغم تأكيد رسمي لـ«عدم وجود أي شرطي» في المكان عند وقوع الحادث، فيما لا تزال تقارير الشرطة تشير إلى إطلاق عيارات نارية على أفرادها في مناطق مختلفة من جزيرة غوادلوب، وإلى إحراق عدد من المخازن الكبرى في بوانت أبيتر، كبرى المدن. وتتخوّف الشرطة من انتقال العنف إلى المارتينيك، حيث نُظّمت في فور دو فرانس مسيرة صامتة شارك فيها آلاف الأشخاص احتجاجاً على مصرع «أخيهم النقابي».
وفي الواقع، فإن ملف «ثورة الغوادلوب» وعدم إسراع الحكومة الفرنسية إلى معالجتها على اعتبار «أنّها بعيدة»، يفتحان أبواب المجهول أمام كمّ من الملفات الشائكة، التي تناستها معظم الحكومات المتعاقبة، وقد لخّصها النائب الاشتراكي الغوادلوبيّ الأصل، فيكتور لوريل، بقوله «إن لم تسع الحكومة لمعاملة سكان محافظات ما وراء البحار معاملة مواطنين متساوين بالحقوق والواجبات فلنبحث في الاستقلال أو في إيجاد إطار سيادي آخر»، مضيفاً «نحن متمرّدون لا نحب اللا عدل». وفي ذلك إشارة إلى ما يرى كثيرون أنّه الأرخبيل الفقير، مقارنةً بـ«الوطن الأم»، لمعالجات ساركوزي الذي «ضخّ ٣٦٠ ملياراً في المصارف و٤٠ ملياراً في صناعة السيارات». وسارع، بحسب النائب الاشتراكي، إلى الارتماء في أحضان «مصنع ميتال للفولاذ في شمال فرنسا» من أجل إنقاذ بضع فرص عمل، بينما لم يلتفت إلى «بؤس المارتينكيين أو الغوادلوبيين»، منهياً حديثه للصحافة متسائلاً «هل هم فرنسيّون أم لا؟».
التساؤلات تنبع من الوعود التي أعلنها ساركوزي أول من أمس، واستثنى فيها محافظات ما وراء البحار. إذ وعد، خلال قمّة اجتماعية عقدها مع النقابات العمالية وأصحاب العمل، بصرف 2.6 مليار يورو لمساعدة الفرنسييين الأكثر تضرّراً من حالة الانكماش وإقفال المصانع. وتحدث عن خفوضات ضريبية عن كاهل العائلات الأكثر عوزاً في الطبقات الوسطى ورواتب بقيمة 500 يورو للشبان العاطلين من العمل.
ويتخوّف العديد من المراقبين من أن تنتقل هذه «التساؤلات» من فسحات الحوار السياسي إلى الساحات والشوارع، حيث يسيطر «شباب الأحياء» على الحواجز، وحيث تدور ثورة مشابهة لثورة الضواحي التي خبرها ساركوزي حين كان وزيراً للداخلية، مع فارق ليس بالبسيط، وهو ضرورة معالجة الأمور بسرعة قبل أن تعود التساؤلات إلى جذور الصراع في الماضي وتنبش الغيظ المُستعمَر وغله على المُستَعمِر.