أرنست خوريوجد الأتراك موضوعاً حامياً جديداً يعنون حياتهم السياسية الداخلية على أبواب الانتخابات المحلية المقررة في آذار المقبل. عنوان القضية الجديدة ماليّ، طابعها قضائي، وفحواها قد يكون سياسياً بحتاً. فقد قرّرت وزارة المال التركية، قبل يومين، تغريم «مجموعة دوغان للإعلام»، إمبراطور الميديا العلمانية في تركيا، مبلغ 490 مليون دولار، بدعوى تهرّب الشركة العملاقة من دفع الضرائب على امتداد سنوات. الطابع القانوني للمسألة لا يلبث أن يفقد شيئاً من بديهيته، عندما ندرك أن المجموعة هي الشركة المالكة لمعظم وسائل إعلام المعارضة العلمانية، مكتوبة أو مسموعة أو مرئية.
حجم العقوبة، أي نحو نصف مليار دولار، هو الأكبر في تاريخ مقاضاة المؤسسات الإعلاميّة في البلاد. وتنبع حساسية المسألة من أن وسائل إعلام دوغان (صحف: «حرييت»، «حرييت الاقتصادية»، «ملييت»، «بوستا»، «وطن»، «راديكال» و«تلفزيون دوغان») تُعَدّ رأس حربة معركة المعارضة ضدّ حزب «العدالة والتنمية» منذ تسلّم الحكم عام 2002. حتى إن رئيس الحكومة رجب طيب أردوغان ظلّ منذ ذلك التاريخ هدفاً يومياً لأقلام وهواء هذه المؤسسات المعارضة، المقرّبة من الجيش، وشبه المتحدّثة باسم الحزب المعارض الرئيسي، «الشعب الجمهوري».
ففي كل حملة شُنَّت على أردوغان، كان لا بدّ أن تجد خلفها صحف وتلفزيونات «دوغان». معارك المجموعة ضدّ أردوغان كثيرة: قضية الحجاب، تعديل الدستور، الخلافات الداخلية في الحزب الحاكم، سلوكه في السياسة الخارجية، الإضاءة على «فساد» أردوغان ورفاقه في قضيّة المنظمة الخيرية الإسلامية «دنيز فينيري»، الدفاع عن عصابات «إرغينيكون»، المهاجمة الدائمة لرمز الإسلام السياسي فتح الله غولن وتحميل الحكومة مسؤولية الأزمة المالية... كلها حملات أفقدت أردوغان أعصابه، فوضع نصب عينيه هدف محاربتها سراً وعلناً.
وفي مناسبات عديدة، وصل الأمر بأردوغان إلى حدّ مهاجمتها بقسوة، ووصف سلوكها بأنه «كاذب» و«لا أخلاقي»، وحثّ القضاء على محاسبتها. جميعها معطيات دفعت برئيس «مجموعة دوغان» دوغان يايين والمدير التنفيذي لـ«حرييت» وصلت دوغان سابنشي إلى اعتبار أن غرامة النصف مليار دولار ليست سوى «ضريبة الدفاع عن حرية الصحافة والتعبير»، و«ترجمة لنقلة نوعية قرّرت الحكومة خوضها في حربها على الإعلام».
غير أنّ صحيفة «توداي زمان»، المقرّبة من الحكومة الإسلامية المعتدلة، نقلت عن السلطات القضائية ومصادر وزارة المال تشديدها على الطابع الجزائي للقضية. إذ إنّ «مجموعة دوغان» باعت نحو 25 في المئة من أسهمها في عامي 2006 و2007 لشركة إعلامية ألمانية، بهدف التهرّب من دفع الضرائب.