سجّلت روسيا نقطة جديدة لمصلحتها في صراعها مع الولايات المتحدة، عندما أقنعت قرغيزستان بإقفال قاعدة «ماناس» الأميركية. محتلّو أفغانستان في مأزق، وواشنطن تبحث عن بديل... قد يكون تركيّاً
موسكو ـــ حبيب فوعاني
وقّع رئيس قرغيزستان، كورمان بك باكييف، أمس، قانوناً يفسخ الاتفاقية التي كانت تنظّم علاقة بلاده مع الولايات المتحدة منذ عام 2001، بشأن القاعدة الأميركية «ماناس» الواقعة في مطار بشكيك الدولي. قرار اتخذه باكييف في موسكو، بعد تلقيه قرضاً روسيّاً ميسراً بمبلغ ملياري دولار، وهبة بقيمة 150 مليون دولار.
وأبلغ وزير خارجية قرغيزستان، قادر بك ساربييف، السفارة الأميركية في بشكيك، ضرورة إخلاء القاعدة، في مدة أقصاها 180 يوماً. وكان البرلمان القرغيزي، الذي يمتلك الحزب الحاكم «أك ــ جول»، الغالبية المطلقة فيه، قد أقرّ أول من أمس، قانون الفسخ المذكور.
وصوّت 78 من أصل 87 نائباً حضروا الجلسة في البرلمان، الذي يضم 90 نائباً، لمصلحة إغلاق القاعدة. واللافت كان انضمام نواب الحزب الشيوعي إلى مشروع قانون الحكومة، وهو الحزب المعارض الرئيسي للسلطة التنفيذية.
ويُعدّ إقرار هذا القانون ضربة قويّة للمصالح الأميركية في الفضاء السوفياتي السابق، إذ لن يبقى لواشنطن، بعد إقفال هذه القاعدة، أي قاعدة عسكرية في آسيا الوسطى، بعد إغلاق أوزبكستان، نهاية عام 2005، القاعدة الأميركية في طشقند، على خلفية الانتقادات الأميركية لهذه الدولة بشأن قمعها أعمال شغب في مدينة أنديجان. اتهام ردّت عليه أوزبكستان، حينها، بتحميل الغرب مسؤولية تحريض الأوزبكيّين على التمرد بواسطة الجمعيات المدنية المحلية الممولة غربياً.
وستواجه واشنطن، بعد إغلاق قاعدتها في قرغيزستان، مصاعب جدية في تأمين الإمدادات لقواتها العاملة في أفغانستان، في الوقت الذي تسعى فيه إدارة باراك أوباما إلى إرسال 17 ألف جندي إضافي من قواتها، لتعزيز عملياتها ضد حركة «طالبان».
وعلى الرغم من أن واشنطن لمّحت إلى أنها ستجري مفاوضات مع موسكو، وليس مع بشكيك، بشأن مصير قاعدتها، فإنّ وزير الدفاع الأميركي، روبرت غيتس، علّق على تصويت البرلمان القرغيزي، بالطمأنة إلى أنّ بلاده مستعدّة لزيادة المبالغ التي تدفعها إلى بشكيك، ولكن بحدود «معقولة». وجزم بأنّ بلاده «لن تسلّم بأن هذا القرار هو الكلمة الأخيرة»، واصفاً القاعدة الأميركية في هذا البلد، بأنها «مهمة، ولكنها ليست من دون بديل».
ويبدو أنّ واشنطن أطلقت حملة نشطة لتأمين البديل عن قاعدة «ماناس»؛ فقد ذكرت صحيفة «يني شفق» التركية، أمس، أنّ واشنطن قد تطلب من الحكومة التركية السماح لها بإنشاء قاعدة بحرية عسكرية على البحر الأسود في مدينة طرابزون، لتحلّ مكان «ماناس».
وتنقل الصحيفة نفسها عن مصادر أميركية غير رسمية قولها إنّ واشنطن في صدد تقديم طلب إلى أنقرة بهذا الخصوص، إذا امتنعت طاجكستان وأوزبكستان عن الموافقة على طلب مماثل.
ولا تستبعد الصحيفة التركية أن يزور أنقرة لهذا الغرض، قائد القيادة الوسطى للقوات الأميركية، الجنرال دايفيد بيترايوس، الذي يقوم حالياً بجولة في آسيا الوسطى.
من ناحيتها، لم تستبعد صحيفة «غازيتا» الروسية أن تمتنع طاجكستان وأوزبكستان عن تلبية طلب واشنطن، «عندئذ يمكن أن تعمل جدياً على خيار طرابزون».
ومع ذلك، يرى مراقبون أنّ واشنطن لم تفقد الأمل بعد، في المحافظة على قاعدة «ماناس»، بما أنّ «الخيارات الأخرى لا يمكن أن تحلّ مكانها».
وفي موازاة ذلك، كشف رئيس قيادة النقل في وزارة الدفاع الأميركية، الأميرال مارك هارنبتشيك، في ختام مباحثاته مع وزير خارجية طاجكستان، همره خان ظريفي، أن أوزبكستان وطاجكستان وافقتا على مرور الإمدادات الأميركية بواسطة سكك الحديد والطرق البرية عبر أراضيهما. وكانت كازاخستان وروسيا قد اتفقتا على السماح بمرور إمدادات غير عسكرية عبر أراضيهما، لتموين قوات الاحتلال الأطلسية في أفغانستان.