جزر الكوريل، أزمة حدودية يابانية ــ روسية تعود إلى أكثر من قرنين، غير أن تعذّر حلّها لم يقف حائلاً دون «تطبيع» العلاقات بين البلدين، وصولاً إلى شراكة اقتصادية، على أمل أن تمهّد لتسوية نزاع الملكية
ربى أبو عمو
يغلب على علاقة روسيا واليابان «حسرة» ما، يفرضها واقع غياب اتفاقية سلام بين البلدين حتى اليوم. وما يزيد من هذا الشعور هو سعي الدولتين إلى تحقيق شراكة اقتصادية، تعكّرها أحياناً أزمة «الكوريل». هكذا، حطّ رئيس الوزراء الياباني تارو تاسو في جزيرة سخالين (الشرق الأقصى الروسي) الأربعاء الماضي. للوهلة الأولى، لا تعدّ ملامسة قدمي هذا الرجل لأرض الجزيرة حدثاً بحدّ ذاته، إلا حين تكون الزيارة هي الأولى لزعيم ياباني منذ انتهاء الحرب العالمية الثانية. حربٌ مضى عليها وقت طويل، صيغت بعدها اتفاقيات سلام بين الدول، إلا أن روسيا واليابان استمرتا من دون اتفاقية سلام وترسيم حدود. والسبب هو النزاع بشأن ملكية جزر الكوريل، التي تقبع اليوم تحت السيطرة الروسية.
خلافٌ لم يحل دون لقاءات ومشاريع اقتصادية بين البلدين، تقلّصت مع انهيار الاتحاد السوفياتي لتزدهر مع تولّي فلاديمير بوتين رئاسة البلاد عام 2000، إلى أن بلغ حجم التبادل السلعي بين طوكيو وموسكو 30 مليار دولار في العام الماضي. وجسّدت زيارة تاسو إلى ساخالين ولقاؤه الرئيس الروسي ديمتري مدفيديف إحدى علامات «الصلح الاقتصادي»، من خلال تدشين مصنع جديد لتحويل الغاز الطبيعي إلى سائل. كما بحث الزعيمان في النزاع على جزر الكوريل وإعلان حل «غير نمطي» لم يكشف فحواه.
اختلف المؤرخون اليابانيون والروس على تحديد ملكية هذه الجزر. والسبب هو قلة الوثائق التي يمكن أن تؤكد هوية «فاتحها»، رغم اقتناع غالبية المتخصصّين بأن روسيا هي من اكتشفت الكوريل.
ظهر الروس في هذه الجزر في النصف الأول من القرن الثامن عشر، حينها كانت الخرائط الروسية والأوروبية الغربية تصف سلسلة الجزر هذه بأنها جزء لا يتجزأ من الإمبراطورية الروسية، إلى أن وصل اليابانيون في عام 1786 إلى جزيرة إيتوروب ليجدوا بعض أهلها الأصليين «أينو». حينها، بدأ الصراع بين الإمبراطوريتين حتى عام 1945. تمكّن الاتحاد السوفياتي خلال الحرب العالمية الثانية من إقناع بريطانيا والولايات المتحدة بالموافقة على إعادة الجزر، التي كانت تحت سيطرة اليابان. وفي آب، أُنزلت القوات السوفياتية على جزر الكوريل، فاستسلمت اليابان في 2 أيلول من العام نفسه، وأعلن السوفيات ضمّ الجزر إلى سيادتهم.
وبعيداً عن أحقيّة أيّ دولة كانت في ملكية هذه الجزر، فإن الأهمية الاقتصادية والعسكرية والاستراتيجية للكوريل تبرر إصرار الدولتين على ضمّها. اقتصادياً، تعدّ المياة المحيطة بالجزر غنية بالثروة السمكية، وتوفّر نحو 6.1 ملايين طن من الأسماك والموارد البحرية سنوياً، هذا عدا عن الثروة المعدنية التي تحتوي عليها المنطقة (التيتانيوم والمغنيزيوم والكوبالت والنحاس والزنك والبلاتين والكبريت والذهب). وفي جزيرة إيتوروب، يوجد الحقل الأوحد في العالم الذي يحوي معدن الريني النادر.
ومن الناحية الاستراتيجية، تمكّن جزر الكوريل روسيا من السيطرة على الطرق الرئيسية للشحن، التي تربط مناطق أقصى شرق روسيا بالعالم الخارجي، وتهدّد مناطق نفوذ الولايات المتحدة في المحيط الهادئ.
وبعد انهيار الاتحاد السوفياتي، قبلت اليابان بأن تكون روسيا الاتحادية وريثه الشرعي. محاولات كثيرة جرت لحل الأزمة، آخرها كان في عام 2005، حين أعرب بوتين عن استعداده لحل النزاع طبقاً لبيان عام 1956، وتسليم جزيرتي هامبوماي وشيكوتان إلى اليابان، التي رفضت أي حلول وسطية، وأصرّت على استرجاع الجزر كاملة.
ويقول أحد الدبلوماسيين الروس إن بلاده «عرضت على اليابان مباشرة مشاريع استثمارية داخل الجزر، وأكثر ما يمكن أن تقدمه موسكو هو التنازل عن جزيرة أو اثنتين».
لكن رغم الخلاف القديم، إلا أنه لا يعوق الشراكة بين روسيا واليابان. فالحاجة المتبادلة بين موسكو وطوكيو لها مبرراتها. روسيا تملك القدرة على دعم جهود اليابان لتصبح عضواً دائماً في مجلس الأمن، كما أن استثمار الشركات اليابانيّة في مشاريع الطاقة داخل الاتحاد الروسي يمكّن موسكو لاحقاً من فرض شروط خاصة للاستثمار في التنمية الاقتصادية لجزر الكوريل.
وفي ظل اقتناع البلدين المشترك بعدم وجود تهديد عسكري يمكن أن يفرضه أحدهما على الآخر، تبقى «الكوريل» هامشيّة في التعاون الروسي ـــــ الياباني.