على خطى الدول الأوروبية، يتزايد اليمين المتطرف تغلغلاً في المجتمع السويسري، مستهدفاً الشباب، ومتسلّحاً بشعارات «شعبوية سياسية» تسهم في تأجيج الشعور الوطني، وتطال تداعياتها العرب والمسلمين والأفارقة خصوصاً
لوزان ــ بسّام الطيارة
منذ مطلع القرن الماضي، وسويسرا الشهيرة بساعاتها ومصارفها وحساباتها السرية تمثّل قبلة المصطافين والمتزلّجين والهاربين من الضرائب على مدار السنة، ما يسمح لهؤلاء بالاستجمام والتنزّه والعيش بهدوء مخملي، لا تعكّره ضوضاء العولمة وثرثرة سياسيّي العالم، وهم مطمئنون إلى أموالهم «النظيفة أو المغسولة» في خزنات المصارف التي يحميها دستور فدرالي صارم.
التوتر الذي يمكن أن يعكّر هذه الرتابة في العيش المرفّه لا يأتي من يسار يريد كسر الرأسمالية ومصادرة الأموال وإعادة توزيعها، بل يأتي من «يمين اليمين»، الذي يرى في كل أجنبي خطراً على «سويسرا الأزلية».
منذ ست سنوات، أطلقت السلطات السويسرية برنامجاً لدراسة «اليمين المتطرف وتأثيره على المجتمع»، بإشراف البرنامج السويسري للأبحاث، الذي وضع قبل يومين تقريره النهائي في تصرّف الحكومة الفدرالية تحت عنوان: «أسباب النزعة المتطرّفة في اليمين وسبل التصدي لها». ويظهر التقرير أن «٥٠ في المئة من المواطنين السويسريين يخافون من الغريب»، أي الأجنبي، وأن «شعبية» اليمين المتطرف هي الأكبر مقارنةً مع المجتمعات الغربية الأخرى، وهي تؤثر على مجموعة عوامل سياسية تنعكس على الرؤية والمواقف السياسية للمواطنين.
وبعد أن يعيد التقرير سرد أصول اليمين المتطرّف، الذي يمثله حزبان أساسيان، الديموقراطيون السويسريون (DS) والحزب الوطني السويسري (PNOS)، إلى جانب عدد من المجموعات غير المنظمة وبعضها سرية لها أصول نازية جديدة، يتطرق إلى أشكال التعبير التي يستعملها اليمين المتطرف والنتائج المترتّبة على تحركه السياسي ونشاطه بين الأوساط الشعبية.
ويشدد التقرير على وجود «انفصام» بارز لدى شرائح واسعة من الشعب تتجاذبها توجهات مجتمع منفتح ليبرالي ووجود رغبة دفينة في هوية وطنية، تدفعها إلى «ردة فعل دفاعية تجاه الغريب»، ما يقود إلى وجود «نسبة عالية جداً من المواطنين ذوي نزعات عنصرية».
ويذكر التقرير إحصائيات تشير إلى أن «٢٠ في المئة من السويسريين يُظهِرون عوارض لاسامية»، بينما «٣٠ في المئة ينفرون من الإسلام»، ويحذر ٥٠ في المئة منهم من كل غريب أو أجنبي.
ويطال اليمين المتطرّف السويسري بدرجة أولى الشبّان والشابات. ويبدو هذا التطرّف كأنه محاولة من الشباب للتمايز خلال مرحلة من مراحل حياتهم، وخصوصاً في بدايتها العملية القلقة، وهو ما يقود في بعض الحالات إلى الانغماس في الأوساط المتطرّفة والنضال في حلقاتها. إلا أنّ جميع المراقبين يشددون على دور «الشعبوية السياسية» في تأجيج الشعور الوطني، الذي ينعكس بصورة تلقائية على زيادة صدى شعارات اليمين المتطرّف، مثل ضرورة تخفيف عدد الأجانب والحد من الهجرة إلى سويسرا، مع تلوين هذه المطالب الشوفينية بلون «الحفاظ على البيئة»، على اعتبار أن زيادة عدد السكان تخلّ بالتوازن المناخي.
وقد أوصل اليمين المتطرّف الكلاسيكي بعض النواب إلى برلمانات الكانتونات، كما برزت حركات يمينية تحمل شعارات اليمين الجديد المتطرّف، الذي يرى أنه يحمل «سلطة ثقافية ثورية» هدفها التصدي للعولمة، تحت شعار معاداة الأميركيين ومعاداة الرأسمالية، وبات معروفاً باسم «الجبهة الجديدة»، التي تجمع ثلاث حركات، «التنسيق الوطني» و«الحزب الوطني الثوري» و«الطريق الثالثة».
ورغم أن عدد مؤيّدي هذه «التنظيمات الميكروسكوبية» مجتمعةً لا يتجاوز ٢٠٠٠ شخص، حسب آخر الإحصائيات، إلا أن السلطات تحمّلها تقريباً مسؤولية كل التحركات العنصرية العنيفة التي تطال خصوصاً العرب والمسلمين والأفارقة. ومن الأمثلة على ذلك، ما واجهته المناضلة اللبنانية التي تقيم في جنيف سهى بشارة، منذ سنتين ونيّف، من تهجّم عنصري عشية العدوان الإسرائيلي على لبنان في تموز ٢٠٠٦، بسبب مشاركتها في برنامج تلفزيوني عنوانه «سهى.. عودة إلى أرض حزب الله»، فضلاً عما تعرّضت له ملكة جمال سويسرا ويتني تولوا، وهي مهاجرة سمراء من أصول أميركية، إذ وصفها عضو الحزب الوطني السويسري دومينيك لوثار بأنها «مثل السرطان الذي يفترس الكونفدرالية الحرة والمستقلة».
وفي السياق نفسه، ينشر بعض المواقع على الإنترنت مشاركات في استفتاءات هدفها طرح مسائل مغرضة لتهييج الرأي العام، ومنها مثلاً طرح: «أيهما معروف أكثر: رمضان أم شهر الصوم لدى المسيحيين؟». وبالطبع فإن سؤالاً كهذا يهدف إلى الإشارة إلى عدد المسلمين المتزايد، وهو يصبّ مباشرة في طروحات اليمين المتطرّف.
على الرغم من ذلك، فإن آخر السجالات يفضح التناقض الذي يعيشه السويسريون بسبب يمين متطرّف متحجّر ومنغلق على نفسه، لا يعرف أن الانفتاح على الخارج هو الذي يسمح لبلد صغير باحتلال المرتبة الحادية والعشرين في اقتصادات العالم. فالحديث اليوم يدور في الأوساط المصرفية حول موعد شهر رمضان لهذه السنة، الذي يصادف في منتصف شهر آب، وهو ما يعتبره المصرفيون والعاملون في الوسط السياحي «مصيبة»، لأنه ينعكس سلباً على موسم الاصطياف، لغياب الأجانب المسلمين الذين يأتون من الخليج خلال العطل لصرف أموالهم المكدّسة في مصارف سويسرا.