لم يعد سراً أنّ وزير الخارجية الفرنسي برنار كوشنير، يسير في اتجاه مختلف عن رياح رئيسه نيكولا ساركوزي. لكن التعارض بات يضرب نقاطاً حساسة على خطّ الخلافات العربية والمصالحة بين عواصمهاباريس ــ بسّام الطيارة
بعد يومين يعود الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي إلى المنطقة، في إطار مؤتمر شرم الشيخ لإعادة إعمار غزة، الذي دعت إليه القاهرة، و«تسهم باريس في تنظيمه»، بحسب تعابير المصادر الفرنسية الحكومية. إلا أنّ تصريحات وزير الخارجية، برنار كوشنير، لا تزال تتعارض والمسار الدبلوماسي المعتمد في الإليزيه، ما قد يعرقل دور فرنسا كـ«وسيط شريف» في حقل المناورات المفتوحة منذ تعليق إطلاق النار في غزة.
وقد لاحظ المراقبون أنّ كوشنير لا يترك مناسبة إلا و«يشدّ» الدبلوماسية الفرنسية نحو أوتاد لم تعد موجودة. وهنا يشير أحد الدبلوماسيين العرب إلى «خروج كوشنير المستمر باتجاه تسليط أضواء محكمة الرئيس رفيق الحريري نحو دمشق»، ويعطي برهاناً على ذلك، في المؤتمر الصحافي المشترك الذي عقده مع نظيره السعودي سعود الفيصل، أول من أمس. فبعدما ردّ الفيصل على سؤال موجه عما إذا كانا قد تداولا أمر المحكمة بالقول «لم ننطر إلى ملف المحكمة، فهي الآن في يد الأمم المتحدة»، قال كوشنير بشكل نافر «إننا نتنظر النتائج ونتمنى العثور على المسؤولين عن اغتيال الرئيس الحريري، مهما كانت محاولات التقارب بين السعودية وسوريا أو بين فرنسا وسوريا»، قبل أن يستطرد متمنّياً نجاح محاولات المصالحة العربية.
كوشنير يضع كل محاولة تقارب وانفتاح على سوريا، أكان من جانب الرياض أم باريس، ضمن «بازار تفاوضي حول المحكمة». ومن نافل القول إن هذا التحليل لا يتوافق البتة، لا مع التوجه العام للدبلوماسية الفرنسية التي أسست لها زيارة ساركوزي إلى دمشق، ولا مع وصف الفيصل لزيارة نظيره السوري، وليد المعلم، الأخيرة إلى سوريا، بأنها «إيجابية». حتى إنّ الفيصل لم يتردد في الإفصاح عن أنّ طريق المصالحة العربية، باتت مفتوحة.
ولم يتوسّع الفيصل في شرح الخطوات المقبلة الهادفة إلى إنجاز المصالحة، كما لم يعطها كوشنير أي أهمية، على قاعدة أنه «لا يزال ينظر إلى أحادية محور باريس ــ القاهرة ــ الرياض»، ويسعى بكل قوة لإبعاد ساركوزي عن «محور دمشق ــ الدوحة». فبحسب مصادر فرنسية مطلعة، لا يريد كوشنير أن يرى إيجابيات تقارب باريس مع دمشق؛ وهي إيجابيات أسهمت بشكل أو بآخر، في زيادة منسوب دفء العلاقات بين السعودية وسوريا. ولا يستبعد مراقب فرنسي أن يكون تذمّر الرياض من هذه «العرقلة الكوشنيرية»، وراء تأجيل زيارته إلى المملكة قبل أسبوع.
فالخطوات التي تنتظرها الرياض في سبيل المصالحة ليست متمحورة، بحسب مصادر مطلعة، حول محكمة الحريري، بل تصب في آفاق عربية واسعة «للخروج من أتون التمزّق العربي». كما أنّ هذه الخطوات، ليست «مطلوبة من دمشق حصراً»، ويمكن الجميع الإسهام فيها. وهذه الخطوات هي «أولاً» المصالحة الفلسطينية، ومن ثَمّ الابتعاد عن التشنج في ما يتعلق بالسلام مع إسرائيل.
كما تشير مصادر سعودية إلى «ارتياح المملكة إزاء المسار الذي أخذته المفاوضات غير المباشرة بين إسرائيل وسوريا عبر تركيا»، لكونها قد جاءت «متمّمة للبعد الواقعي للمبادرة العربية».
وفي ظل هذه المؤشرات، لا يفهم المراقبون «حشر كوشنير أنفه، في أمور يتفق عليها الجميع تقريباً»، في إطار استثارة جروح عربية قديمة، رغم أنّ السعودية، وبخلاف ما يعتقده كوشنير وبعض الدبلوماسيين الغربيين، لا تحبّذ الحديث عنها في مؤتمرات صحافية.