بالأرقام والوقائع، حلّ جورج بوش أسوأ رئيس أميركي في تاريخ الإمبراطورية. وكرّست تطورات عام 2008 كوارث بوش في الداخل الأميركي كما في العالم، وما على باراك أوباما سوى محاولة إصلاح شيء من خراب سلفه
واشنطن ــ محمد سعيد
يُجمع الأميركيون ممن يرون في عهد الرئيس الأميركي جورج بوش كارثة حلّت على أميركا والعالم على أن عام 2008 كان ختامه «مسك»، حين ألقى الصحافي العراقي منتظر الزيدي فردتي حذائه في وجه الرئيس المنتهية ولايته. فوفق العديد من المعلّقين الأميركيين، ستظل تلك الإهانة تلاحق الرجل إلى ما بعد وفاته، لتختصر مجموع «إنجازات» الرئيس الذي سبّب لبلاده أكبر مقدار من الكره العالمي. غير أنّ البعض يرى أن الأزمات التي أسهمت إدارة بوش في خلقها أدّت إلى ولادة أحداث «إيجابية»، كانتخاب باراك أوباما رئيساً.
وسيؤدّي أوباما دور «العطار» الذي سيصلح ما أفسده «دهر بوش». وهو يواجه على هذا الصعيد تحدّيات صعبة داخلياً، أهمها مواجهة الأزمة المالية الاقتصادية العالمية التي انتقلت عدواها بسرعة البرق إلى سائر المعمورة، فضلاً عن تحديات السياسة الخارجية، وتراجع نفوذ واشنطن دولياً، نتيجة الإخفاقات التى مُنيت بها سياسات بوش في العراق وأفغانستان وإيران وروسيا وكوريا الشمالية والصين.
وأجبرت الأزمة المالية العالمية أوباما على التحرك سريعاً وتحديد ملامح خطته الاقتصادية ومن سيتولى تنفيذها.
ومع نهاية عهد بوش، فإن الأرقام «الرسمية»، التي غالباً ما يجري التشكيك فيها، تشير إلى أن البطالة في البلاد وصلت إلى 6.5 في المئة، ويمكن أن تتجاوز 8 في المئة عام 2009، وهي النسبة الأعلى منذ 14 عاماً. أما عجز الموازنة فوصل إلى 455 مليار دولار، مع حجم دين تخطّى 20 تريليون دولار، علماً بأن التوقعات تنذر بإمكان انهيار صناعة السيارات الأميركية. وسجّلت نهاية عام 2008 رقماً قياسياً جديداً، بطله كان أيضاً بوش نفسه، الذي حظي بأدنى شعبية لرئيس أميركي في تاريخ بلاده.
خارجياً، أظهر عام 2008 فشل بوش في تحقيق رؤيته بحل الدوليتن في الأراضي المحتلة، ما دفع بإدارته إلى الاعتراف في آخر أيامها بتسليم جهود «التسوية» إلى الرئيس المقبل.
كذلك أظهرت الحرب بين روسيا وجورجيا، واستقالة الرئيس الباكستاني برويز مشرف، مدى محدودية قدرة واشنطن في التأثير على الأحداث في مناطق الاضطراب الرئيسية في العالم.
أكثر من ذلك، فبعد سنوات من غزو أفغانستان والعراق، حمّل بوش مسؤولية احتلال بلاد الرافدين لأجهزة استخباراته ومعلوماتها «المضللة». وأشارت التقارير الأميركية إلى أن التكاليف المباشرة لحربي العراق وأفغانستان بلغت 904 مليارات دولار، في ظلّ توقعات بأن تتجاوز 1.7 تريليون دولار بحلول عام 2018.
وبحسب عدد من المراقبين، فإن الاتفاقية الأمنية الأميركية ـــــ العراقية تحوّل العراق إلى «مهمة أميركية مستنفدة من دون نجاح مؤكد»، بعيداً عن الأوهام التي تشدد على أنها نجاح استراتيجي مهم في المنطقة.
وفي الملف النووي الإيراني، لم تؤتِ سياسة «العصا والجزرة» ثمارها، ولم تسهم دبلوماسية المفاوضات والعقوبات طوال العام الماضي في ثني طهران عن مواصلة رحلتها النووية، فكان لا بدّ لواشنطن من أن تعيد التلويح بأنها تبقي على «جميع الخيارات على الطاولة»، من دون جدوى أيضاً.
ووصلت ثقة إيران بنفسها، وربما بالإرباك الأميركي، إلى التلويح بشنّ هجمات مضادة «مدمّرة» ضدّ من يهاجمها، وباتخاذ خطوات مؤلمة بحق الغرب وحلفائه من خلال إغلاق مضيق هرمز الذي ينقل من خلاله 40 في المئة من النفط العالمي.
وفي السياق، يستبعد المراقبون أن يتمكّن أوباما، الذي يتبنّى سياسات «الطريق الوسط» لتحقيق الأهداف بالوسائل الدبلوماسية المتعددة الأطراف، من إعادة بلاده إلى مركزها القديم في الشرق الأوسط، بحيث يتجه العالم بصورة متزايدة إلى تعددية قطبية، لن تسهّل على الرئيس الأسود مهمة استعادة وضع بلاده «كزعيمة وحيدة للعالم».
ولعلّ الشاهد الأهم لفشل بوش في كل شيء تقريباً، هو حقيقة أن نجاحه الدبلوماسي، الذي يكاد يبقى يتيماً، كان مع ليبيا، التي دفعت أكثر من ملياري دولار تعويضات لـ«ضحايا الإرهاب»!