لم ينجح حزب «الشعب»، الذي تسلم السلطة في باكستان، في تحسين الاقتصاد أو الأمن، وغاص أكثر في الوحول الأميركية، رغم ادّعائه العكس، وهو على موعد مع اختبارات جمّة في ظل حرب أميركية على الأبواب
شهيرة سلّوم
حملت أحداث العام المنصرم في باكستان بصمات سلفه، الذي انتهى باغتيال زعيمة حزب «الشعب» بنازير بوتو. اغتيال ظهرت تداعياته في الانتخابات البرلمانية ثم إسقاط الرئيس السابق الجنرال برويز مشرف، فتربع «الشعب» على رأسي السلطتين التشريعية والتنفيذية، وطالت اليد الأميركية داخل المناطق القبلية، فنفذت هجمات متكررة لتصفية قادة «القاعدة».
وتمكّن حزب «الشعب» من الفوز في الانتخابات التشريعية التي جرت في منتصف شباط الماضي، ومعه حزب «الرابطة الإسلامية ـ جناح نواز شريف»، فألّفا مع أحزاب أخرى حكومة ائتلافية برئاسة يوسف رضا جيلاني من «الشعب»، الذي احتل أيضاً رئاسة البرلمان مع اختيار فهميدا ميرزا أول امرأة تترأس الجمعية الوطنية.
وما لبث الخلاف أن دبّ بين «الشعب» ونواز شريف، الذي طالب بإعادة القضاة الذين أقالهم مشرف إلى مناصبهم. ولوّح شريف بسحب وزرائه من الائتلاف الحكومي ونفذ تهديده في منتصف أيار.
الانتقام من مشرّف، الذي سَجن ونَفى وانقلَب، كان هاجس شريف غير المعلن ومعه أيضاً آصف زرداري، زوج بوتو، وإن كان بحدّة أقلّ. فبدأت الأصوات تعلو لإسقاط الجنرال، وحضّر الائتلاف الخطة، بدايةً عبر صياغة حزمة من التعديلات الدستورية لتقويض صلاحيات رئيس الجمهورية، ومن ثم التحضير لملف اتهامه بالخيانة.
ومع ارتفاع الضغوط السياسية، وتخلي واشنطن عن حليفها، ووقوف العسكر على الحياد، سقط مشرّف عبر الاستقالة في 18 آب، لتبدأ بعدها التحضيرات لرئيس مدني للبلاد. مرّة أخرى دبّ الخلاف بين أقطاب الائتلاف. فكان لكلٍّ من «الشعب» و«الرابطة» مرشحه، لكن الغلبة كانت للأول بتولي زرداري الرئاسة، ليستحوذ بذلك «الشعب» على الرئاسات الثلاث، الجمهورية والحكومة والبرلمان.
زرداري المتهم بقضايا فساد وقتل (التخطيط لقتل شقيق زوجته عام 1996)، شقّ سبيله لكرسي الرئاسة بعدما أسقط القضاء التهم الموجّهة إليه. ربما «وضعه القانوني» هو الذي وقف وراء رفض «الشعب» إعادة رئيس المحكمة افتكار تشودري إلى منصبه، لذا تابع المحامون ثورتهم.
لم يكن التحول إلى الحكم المدني بشرى خير على الباكستانيين، إن لناحية الوضع الاقتصادي، أو لناحية استتباب الأمن، ولا سيما في المناطق القبلية حيث شنّت القوات الأمنية الباكستانية حملة عسكرية ضدّ المتمرّدين في أواخر حزيران.
وتمكّن «الإرهاب» بعدها من تسجيل ضربة نوعية في قلب العاصمة حيث نفّذ عملية انتحارية في فندق الماريوت، الذي تقيم فيه النخبة والأجانب فقُتل أكثر من 50 شخصاً، بينهم دبلوماسيون ورجال استخبارات.
على مستوى تحالف الحرب على «الإرهاب»، نشطت الاختراقات الجوية والبرية للقوات الأميركية للحدود الشمالية الغربية، ونفذت الطائرات أكثر من 37 ضربة ضدّ أهداف داخل المناطق القبلية، تمكنت في بعضها من قتل قيادات مركزية في «القاعدة»، بينهم أبو خباب المصري وأبو قتادة الليبي وأبو عكاشة العراقي، وغيرهم..
ويصب استهداف قيادات القاعدة ضمن استراتيجية أميركية لمحاربة التنظيم، وضعتها الاستخبارات المركزية «سي أي إيه»، وزادت وتيرتها مع تسلّم حزب «الشعب» السلطة.
وعبّر الباكستانيون مراراً عن امتعاضهم من هذه الضربات، ولا سيما أن تقارير كُشفت في 11 أيلول أفادت أن جورج بوش أعطى أوامره بتنفيذ الضربات من دون موافقة إسلام آباد. لكن في الواقع أن الأميركيين حصلوا على موافقة ضمنية وشفهية من حكام باكستان منذ مشرّف، وإن اعترضت الحكومة وجيشها مراراً عليها، وصلت إلى حدّ الاشتباك على طرفي الحدود بين القوات الباكستانية والأميركية في منتصف أيلول.
وهذه العمليات العسكرية ستزيد خلال المرحلة المقبلة مع تسلّم باراك أوباما الرئاسة الأميركية، ولا سيما أنه وعد بنقل المعركة ضدّ الإرهاب من بلاد الرافدين إلى المنطقة القبلية. لذا من المؤكّد أن إسلام آباد ستتورط أكثر في الحرب الأميركية، وستواجه حكومة حزب «الشعب» امتحانات صعبة في الداخل لامتصاص النقمة الشعبية التي ستشتعل جرّاء التدخل الأميركي، ما قد يمهّد لدور جديد للعسكر في الحكم. فضلاً عن الاختبارات الاقتصادية التي لم تنجح حتى الآن في اجتيازها وستُشغل أيضاً بالأزمة التي اشتعلت من جديد مع عدوتها التقليدية نيودلهي.