لم تشهد العلاقات الهندية ـــ الباكستانية منذ حرب عام 1971، توتراً يماثل ما حدث عقب هجمات مومباي الأخيرة التي أسفرت عن سقوط نحو 181 قتيلاً، لكن قرار الحرب لا يبدو في مصلحة أحد في المرحلة الحاليّة
معمر عطوي
ربما أنهت اتفاقية شملا (1972) بين الهند وباكستان بشأن إقليم جامو وكشمير، مرحلة من النزاع تخللتها ثلاث حروب (1947ــــ1965ــــ1971). لكن المنعطف الأهم على طريق التهدئة بين البلدين، كان في عام 2004، حين وقّعت نيودلهي وإسلام أباد عملية سلام استمرت مفاعيلها حتى تشرين الثاني الماضي، حين تعرضت العاصمة الاقتصادية الهندية، مومباي، لهجمات عنيفة قام بها متشددون يشتبه بعلاقتهم مع باكستان. هجمات لم تشهد الهند مثيلاً لها منذ عام 2001، حين هاجم إسلاميون متشددون مبنى البرلمان في نيودلهي.
ويبدو أن الوضع الداخلي لكل من الجارتين النوويتين، دفع بالأمور قدماً نحو التصعيد، لتعود قضية جامو وكشمير إلى دائرة الضوء مجدداً، بعدما لجمت السلطة الحركات الجهادية في هذا الإقليم المتنازع عليه بين الهند وباكستان منذ الانفصال في عام 1947.
باكستان من جهتها، تشهد نمواً متزايداً للحركات الإسلامية، ولا سيما حركة طالبان ورديفاتها، مثل «جيش محمد» و«لشكر طيبة» (جماعة طيبة)، التي تضغط باتجاه تصعيد التوتر مع الهند بهدف تحرير الجزء الأكبر من كشمير الذي يتبع لسلطات نيودلهي، وتعزيز الدعم اللوجستي لحركة طالبان الأفغانية في منطقة وزيرستان القبائلية.
أما على الجانب الهندي، فتسعى أطراف هندوسية متشددة إلى الثأر من هجمات مومباي، بعد اتهامات هنديّة للاستخبارات الباكستانيّة بالتورّط فيها. غير أن التوتر وضحت معالمه أكثر، حين سحبت باكستان بعض قواتها العسكرية من شمال غرب البلاد المضطرب (منطقة القبائل) وأرسلتها إلى الحدود مع الهند. تصعيد قابله موقف هندي مشابه توّج في الأيام الأخيرة من خلال تسليم الحكومة أدلة بشأن تفجيرات مومباي، إلى الولايات المتحدة وباكستان، بما يؤكد حسب وزارة الخارجية الهندية، أن التفجيرات «لها صلة بعناصر في باكستان».
هذه الخطوة الهندية، بدت بمثابة محاولة أخيرة تقوم بها نيودلهي لتجنب وقوع حرب بين البلدين. إذ إن شرط تسليم إسلام أباد المتورطين بهجمات مومباي وغيرها نقطة أساسية لإنقاذ شبه القارة الهندية من حرب «النوويتين».
كذلك تسعى إسلام أباد إلى إزالة أي أسباب قد تؤدي إلى اندلاع الحرب، وإلى تفادي العزلة الدولية (في حال تورطها بدعم الإرهاب)، إضافة إلى محاولتها تجنب انفلات الأمور داخلياً، حيث تسعى الأحزاب الإسلامية إلى استلام السلطة.
في المقابل، لا يمكن لحزب «المؤتمر» الحاكم في الهند، أن يتجاهل دعوات حزب «بهارتيا جاناتا» للثأر من مرتكبي «أعمال إرهابية» في عقر داره، وهو على أعتاب انتخابات برلمانية عامة في الربيع.
فالحكومة، بنظر معارضيها، «تراخت وتقاعست» عن التصدي للإرهاب، وخصوصاً أن هجمات مومباي كانت الأخطر، لكونها استهدفت الشريان الحيوي للهند، وطالت محطات سكك حديدية ومستشفى ومركزاً يهودياً، ومقهى وفندقين فخمين. لذلك رضخ رئيس الوزراء مانموهان سينغ، للمعارضة القومية، مهدداً باتخاذ إجراءات ثأرية، خلال جولته على مومباي برفقة مرشح رئاسة الوزراء عن حزب «بهاراتياجاناتا»، ل.ك. أدفاني. جولة غير مسبوقة كهذه كانت مصدر قلق لمسلمي الهند، إذ إن أدفاني عضو دائم في تنظيم «آر. اس. اس» الهندوسي المتشدد.
أحداث مومباي هي التي قسمت ظهر البعير، حيث بدا قادة «المؤتمر» في تماه واضح مع خصومهم من الصقور، واضعين الأسلوب الغاندي لمعالجة الأزمة على الرف، ظناً منهم أن صناديق الاقتراع لا يمكن أن تمتلئ لمصلحتهم إلا من خلال رائحة البارود.
بأي حال، الطرف الباكستاني هو الأضعف في هذه المحاولة، حكومة ضعيفة، عالقة بين «الجهاديين» ومطالب واشنطن.
أمّا نيودلهي فهي في وضع مريح أكثر، ولا سيما أنها تستطيع التوفيق بين إرضاء واشنطن من جهة، وتعزيز علاقاتها مع محاور أخرى كموسكو. إلا أن للهند المقبلة على انتخابات تشريعية المصلحة الأكبر في التوتير.