strong>أقرّ ضمناً تمديد ولاية عبّاس... ونصّ على «ترتيبات» لوقف تهريب الأسلحةصوّت مجلس الأمن الدولي بالإجماع، فجر اليوم، على قرار دولي لوقف إطلاق النار في غزّة، أرجأ انسحاب القوات الإسرائيلية، وساوى بين الضحيّة والجلاد، فيما بقي مبهماً في صيغة «الترتيبات والضمانات» لوقف تهريب الأسلحة وفتح المعابر. كما أنه أشار بطريقة غير مباشرة إلى تمديد ولاية الرئيس محمود عباس

نيويورك ـ نزار عبود

بعد أسبوع حافل بالتقلّبات والضغوط المتبادلة، توصل الوزراء العرب إلى اتفاق مع الترويكا الغربية على قرار دولي حمل الرقم 1860، يشدد على «الوضع الخطير ويدعو إلى وقف لإطلاق النار، فوري ودائم، على أن يُتقيّد به تقيّداً تاماً، ويؤدي إلى انسحاب كامل للقوات الإسرائيلية من غزة».
ويدعو القرار إلى «تقديم المساعدة الإنسانية التي تضم مواد غذائية ومحروقات ومواد طبية، وتوزيعها على كل أراضي غزة ومن دون معوقات»، ويشيد «بالمبادرات الرامية إلى إنشاء وفتح ممرات إنسانية وآليات أخرى لتقديم المساعدة الإنسانية بصورة دائمة».
ويدعو القرار الدول الأعضاء إلى «دعم الجهود الدولية لتحسين الوضع الإنساني والاقتصادي في غزة». كما «يدين كل عمل عنف وعدائي يستهدف المدنيين وكلّ عمل إرهابي». ويدعو القرار الدول الأعضاء إلى «مضاعفة الجهود لتزويد غزة بالترتيبات والضمانات من أجل تحقيق سلام وهدوء دائم، بما في ذلك منع التهريب غير الشرعي للأسلحة والذخيرة بهدف استمرار فتح المعابر وفق اتفاق تشرين الثاني 2005 المتعلّق بترتيبات فتح معبر رفح».
ويرحّب القرار «بالمبادرة المصرية (الاقتراح المؤلّف من ثلاث نقاط الذي قدّمه الثلاثاء الرئيس المصري حسني مبارك) وبالجهود الإقليمية والدولية الأخرى الجارية». ويدعو إلى «جهود متجددة وملحّة لدى الأطراف والمجموعة الدولية للتوصل إلى سلام شامل يقوم على رؤية منطقة تعيش فيها دولتان ديموقراطيتان، إسرائيل وفلسطين، في سلام جنباً إلى جنب وفي داخل حدود آمنة ومعترف بها». كما يرحّب «بنظر الرباعية لعقد اجتماع في موسكو خلال العام الحالي».
كذلك يشجع القرار «الجهود لتأمين المصالحة الفلسطينية بما في ذلك جهود الوساطة المصرية والجامعة العربية، كما عبّر عنها قرار 28 تشرين الثاني 2008، وبما ينسجم وقرار مجلس الأمن 1850».
ويشير مراقبون إلى أن تضمين القرار نتائج اجتماع وزراء الخارجية العرب يعني ضمناً الموافقة على تمديد بقاء الرئيس الفلسطيني محمود عباس في منصبه إلى ما بعد التاسع من كانون الثاني الجاري، الذي يصادف اليوم، ولا سيما أن الاجتماع الوزاري العربي طالب الرئيس الفلسطيني بالبقاء في منصبه حتى تحقيق المصالحة.
وحتى اللحظات الأخيرة، بحسب معلومات دبلوماسية وثيقة الاطلاع، حاول الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي أن يرتّب وقفاً إسرائيلياً للنار من جانب واحد بهدف انتفاء الحاجة إلى قرار مجلس الأمن، ولكي يخطف الأضواء عن المعركة الدبلوماسية العربية في نيويورك.
وتصدّت الدول الغربية، الولايات المتحدة وفرنسا وبريطانيا، لكل محاولات إصدار قرار عربي، ومدّدت المفاوضات ثمانية أيام لكي ينجلي الغبار عن ساحة المعركة لمصلحة المعتدي. لكنّ أحلامها لم تتحقق، فيما تعاظمت الخشية من انعكاسات الحرب على النظام العربي، فضلاً عن مشاعر السخط على المعتدي بعد خرق كل قواعد حقوق الإنسان في الحرب الجائرة. وتعالت الأصوات المنددة من كل مكان.
مشروع القرار الغربي، الذي قُدّم رداً على مشروع قرار ليبي، كان في الأساس بياناً رئاسياً لا يدعو إلى وقف للنار أو فتح فوري للمعابر، ويطلب فرض رقابة دولية تضمن عدم تهريب السلاح، ويلقي اللوم على الجانب الفلسطيني.
غير أن وزراء خارجية أميركا كوندوليزا رايس، وفرنسا برنار كوشنير، وبريطانيا ديفيد ميليباند، حوّلوا بيانهم الرئاسي إلى مشروع قرار فيه إعراب عن القلق من تصعيد العنف في غزة وجنوب إسرائيل ومن الخسائر المدنية الفادحة التي تمخّضت عنه «نتيجة الفشل في تمديد فترة التهدئة وإطلاق الصواريخ على إسرائيل، وجرّاء العمليات العسكرية الإسرائيلية». كما يعرب عن قلقه من الوضع الإنساني المتدهور في غزة، ويشدد على النواحي الإنسانية ودور «الأونروا»، وعلى «الحاجة الملحّة إلى تحقيق وقف دائم وكامل ومحترم لإطلاق النار». لكنه لا يدعو إلى الوقف الفوري لإطلاق النار، ولا إلى الانسحاب الفوري الإسرائيلي من القطاع. وبعد مشاورات ماراتونية بين الوزراء الغربيين ونظرائهم العرب، تم التوصّل إلى إجماع، ورتّب اجتماع مجلس الأمن بحيث يتزامن مع الاجتماع الذي دعا إليه رئيس الجمعية العامة ميغيل ديسكوتو بروكمان الذي وصف الأمم المتحدة بالعقيمة.
وكان بروكمان قد قال في وقت سابق «قررت اليوم (أمس) بسبب عدم فعالية الأمم المتحدة في القيام بدورها، الطلب من الجمعية العامة أن تقول كلمتها بموجب الفصل الـ24 من الميثاق، وتتحمل مسؤوليتها. يجب على مجلس الأمن أن يصغي إلى المجتمع الدولي». وتساءل «لماذا يؤخّرون في مجلس الأمن الدعوة إلى وقف إطلاق النار في غزة؟»
وقرأ بروكمان رسالة من وزيرة خارجية إسرائيل تسيبي ليفني تقول «إن النشاط الدبلوماسي المكثّف يرمي إلى تخفيف الضغط من أجل وقف النار ومن أجل السماح بمزيد من الوقت للعملية العسكرية لكي تحقق أهدافها». وأضاف أن المزيد من الوقت يعني المزيد من القتل الإسرائيلي. وشدد على أن «الأمم المتحدة لم توجد من أجل المساعدة على القتل، بل من أجل أن توقف سفك الدماء». واعتبر ذلك بمثابة قتل للأمم المتحدة والغاية التي تأسست من أجلها.