تبدو أميركا اللاتينية في العام الجاري كأنها مقبلة على امتحان ليسارييها بعد الأزمة الاقتصادية العالمية. فبعد المدّ اليساري الذي اجتاح القارة، يمكن تصنيف عام 2009 عام انتخابات ستحدّد مدى استمرار هذه الموجة
بول الأشقر
بعد انتخاب باراك أوباما رئيساً للولايات المتحدة، وما عناه فوزه في ولاية فلوريدا من رمزية (حيث كان يتحكّم اللوبي الكوبي المعادي لكاسترو بالسياسة الأميركية منذ عقود)، شهدت المرحلة الانتقالية تغيّراً نوعياً، جعل من كوبا ضيف شرف على أول قمة أميركية ـــــ لاتينية في التاريخ.
قمة جرت في البرازيل، قبل أربعة أشهر من موعد قمة الأميركيّات (نيسان)، لمعالجة مسألة الحصار ولترميم علاقة سياسية أنشأها الرئيس جورج بوش الابن مع باقي القارة، بالرغم من كثافة العلاقة الاقتصادية مع كل دولة من هذه الدول.
في إعادة التموقع هذه التي تلت انتشار الحكومات اليسارية في جنوب أميركا، كرّست سنة 2008 قيادة الرئيس البرازيلي لويس إيغناسيو لولا دا سيلفا الكفوءة لمواكبة دخول أميركا اللاتينية لاعباً استراتيجياً على شطرنج العالم اللاقطبي. ونضجت هذه القيادة تدريجاً، ما سمح للرجل بأن يدرك هذه السنة المرتبة الأولى بين الزعماء المفضّلين لدى شعوب دول أميركا اللاتينية الأخرى.
مع بداية السنة الماضية، ظهرت الآمال معقودة على صفقة التبادل الإنساني مع منظمة «الفارك» الكولومبية الثورية، وجهود الرئيس الفنزويلي هوغو تشافيز للإفراج عن الرهائن، والتي عرفت نجاحاً نسبياً، قبل أن يفجّر الرئيس الكولومبي الفارو أوريبي كل العملية عندما قصفت قواته في أول آذار مخيم مؤقت للفارك على الأراضي الإكوادورية، عملية كان من أبرز ضحاياها قيادي «الفارك» المسؤول عن ملف التفاوض راوول رييس.
نتيجة هذه الغارة نشبت أزمة إقليمية طنّانة تحولت إلى حرب كلامية حادة أنذرت بالتحول، للحظات، إلى حرب حقيقية. ولم تهدأ العاصفة إلا في قمة «مجموعة ريو» في السانت دومينيكان. ونجح الجيش الكولومبي في الإفراج عن «أميرة» الرهائن، إنغريد بيتانكور والأميركيين الثلاثة، بعد خدعة وقعت فيها منظمة «الفارك»، في بداية شهر تموز. ضربة تضاف إلى الضربات المتتالية التي تلقّتها، ومنها وفاة مؤسسها مانويل مارولاندا.
وارتفعت شعبية أوريبي الباحث عن ولاية ثالثة إلى مستويات خرافية. إلا أن الجزء الثاني من السنة كان أقل مردوداً لطموحاته في الحصول على ولاية ثالثة.
غير أن شعبية أوريبي عادت لترتفع مع نهاية العام الماضي، كما أشارت عريضة جمعت أكثر من 5 ملايين توقيع لكي يحق له الترشّح لولاية ثالثة. مع ذلك، من المرجّح أن تنجلي الصورة في الأشهر المقبلة، حيث يمكن أن يُسمح له بالترشح عام 2014 لا في عام 2010.
وعلى المنوال نفسه، سيتحدد مصير ولاية تشافيز الثالثة، إذ قرر هذا الأخير إعادة طرح حقه للترشح على الاستفتاء، بعدما رُفض قبل سنة الاقتراح من ضمن سلسلة تعديلات دستورية أوسع. هنا أيضاً، شعبية الرجل عالية، ولكن معظم مشاريعه الخاصة صارت ضيقة.
في بوليفيا، احتكرت المعارضة المبادرة السياسية طوال السنة من خلال الاستفتاءات التي نظّمتها تباعاً في المحافظات الشرقية للانفصال أو على الأقل لتفريغ أدوات السلطة المركزية في محاولة الالتفاف على حكم أول رئيس هندي، إيفو موراليس. هذا الأخير لم يستعد المبادرة إلا بعد فوزه في آب في الاستفتاء لتثبيت ولايته بأصوات ثلثي البوليفيين، مستقوياً بهذه النتيجة وبطرد سفير الولايات المتحدة وبدعم مجموعة الـ«أوناسور» له. كذلك اقتحم موراليس التفاوض وقدّم التنازلات المطلوبة لتحاشي حرب أهلية لامستها مراراً بوليفيا السنة الماضية.
في المكسيك، جارة الولايات المتحدة الأقرب، يُتوقع حدوث آثار عميقة للأزمة الاقتصادية، حيث ينذر انفلات العنف المتعلّق بصعود «كارتيلات» المخدرات، بتحويل البلاد إلى حال شبيهة بـ«كولومبيا الثمانينيات». وتنتهي السنة بتساؤل كبير يحوم حول ظروف هبوط طائرة على متنها كبار مسؤولي حرب الدولة على المخدرات في يوم انتخاب أوباما ذاته.
وفي قارة صارت الانتخابات فيها من أدوات الشغل، كان عام 2008 عام استراحة، من دون نسيان التغيير الحقيقي الذي حصل في الباراغواي مع انتخاب المطران السابق اليساري فرناندو لوغو إلى سدّة الرئاسة بعد 61 سنة من حكم «حزب كولورادو» اللامنقطع.
يبدأ الآن في عام 2009 الموسم الانتخابي الذي سيمتد لغاية عام 2011: استفتاء بوليفيا حيث إقرار الدستور مرجّح، يليه استفتاء فنزويلا ونتيجته المحشورة، ثم انتخابات عامة في الإكوادور في شباط، وهنا فوز الرئيس رافائيل كوريا مرجّح بسهولة بعدما نجح في إقرار دستور جديد في العام الماضي. تليها انتخابات السلفادور، حيث من المحتمل أن ينجح أخيراً اليسار مكرِّساً أول تداول سلطة حقيقي منذ انتهاء الحرب الأهلية في بداية التسعينيات.
وفي أيار، تجري انتخابات باناما، بينما تشهد المكسيك في تموز انتخابات نيابية، كذلك تشهد الأرجنتين انتخابات نيابية في تشرين، حيث تأمل كريستينا كيرشنير أن تكون سنتها الثانية أقل مأسوية من الأولى على شعبيتها. يأتي ذلك بعد انتخابات عامة في هندوراس التي فاجأت القارة بالانتساب إلى منظمة «ألبا» الإقليمية اليسارية.
وتنتهي السنة بانتخابات عامة في التشيلي والأوروغواي، حيث يبدأ قياس آثار الزوبعة الاقتصادية العالمية على منطقة كانت تعيش نمواً مطّرداً، وكذلك قدرة الموجة اليسارية على الاستمرار في دولتين لا تجيزان تجديد الولاية.