إذا كانت الدول الصناعية الغنية غير واثقة بقدرتها على ضبط النظام والقانون على أرضها عند استفحال أزمة الفقر العالمي، فكيف ستتمكن الأمم المتحدة من ضبطهما في قارات العالم؟ سؤال يثار في الأروقة الدبلوماسية والكل يتظاهر بأن الأمور ستجري في مجاريها التقليدية
نيويورك ـ نزار عبود
في عام 2008، كانت الذكرى الستون لإعلان حقوق الإنسان. إعلان من عمر نكبة فلسطين، فيما لا يزال الفلسطيني يبحث عن كل الحقوق الدنيا للإنسان. لا يتلقّى سوى الإدانات المنتظمة من الأمانة العامة للأمم المتحدة و«المجتمع الدولي»، والاتهامات بـ«عرقلة عملية السلام» كلما سمح لنفسه بالدفاع عن بقائه الجسدي.
لعل أبرز ما شهدته المنظمة الدولية خلال عام 2008، هو مظاهر العصيان الروسي ـــ الصيني، التي بدأت عندما استخدمتا حق النقض ضد مشروع قرار غربي يدين ميانمار. ثم أبدت روسيا انزعاجاً شديداً من موقف الأمين العام حيال الوضع في إقليم كوسوفو المنشق عن صربيا.
ثم عادت الدولتان واستخدمتا حق النقض ضد مشروع قرار غربي ثانٍ يدين نظام روبرت موغابي في زيمبابوي.
وخلال العام الماضي أيضاً، لم تتمكن «الذئاب الغربية» من فرض أي تشديد جديد للعقوبات على إيران. فالقراران 1803 و1835 كانا مجرد تذكير بالقرارين 1737 و1747 السابقين.
روسيا الأقوى اليوم، تتحدث على لسان مندوبها فيتالي تشوركين صراحة بأن «موسكو لن تسمح بإضعاف حق الفيتو في مجلس الأمن الدولي». هذا يعني أن إصلاح مجلس الأمن الدولي مؤجل إلى إشعار آخر من جانب الدول نفسها التي احتكرت القرار في المجلس منذ عام 1945.
على أن الموقف الروسي المتشدد، والمساند للقضايا العربية، بطريقة قيصرية لا سوفياتية، والذي بلغ ذروته بتهديدات الرئيس ديمتري ميدفيديف باستخدام القوة للدفاع عن مصالح روسيا، ينمّ عن رغبة حقيقية في استخدام كل أوراق المساومة في مرحلة إعصار الأزمة المالية.
أمّا الأمانة العامة للأمم المتحدة، فقد كانت أقل من عادية في ظروف غاية في الدرامية. بان كي مون ربما كان من أنشط الأمناء العامين حركة، لكنه الأقل نجاحاً. قطع كل القارات وزار كل العواصم في أقصر وقت ممكن منذ توليه منصبه قبل عامين. لكنه يتميز بعدم الاستقلال السياسي والارتهان. ولم يستطع في أي أزمة من أفغانستان إلى الكونغو الديموقراطية أن يبرهن أنه يتمتع بموقف خاص مميز. حتى إنه لم يستطع أخيراً التعليق على تهديد وزيرة خارجية إسرائيل تسيبي ليفني بترحيل العرب عن إسرائيل إلى دولة فلسطينية قد تنشأ.
كثيرون لا يتوقعون للأمين العام أن يبقى في منصبه لفترة ثانية. هو أعرب شخصياً عن ضيقه من صعوبة التحديات، بيد أنه نفى نيته تقديم الاستقالة.
لكن عام 2009 سيكون مفصلاً تاريخياً ليس في تاريخ الأمم المتحدة وحدها، بل في تاريخ العالم. فإذا استطاع العالم امتصاص مخاطر البطالة المستشرية والتدهور المالي الذي يلتهم الثروات، فإن فرص الخروج بنظام دولي جديد تصبح ممكنة. لكن فقدان العلاج لتلك الأزمة قد يفضي إلى إعلان إفلاس الأمم المتحدة الأخلاقي وهي تراقب المجازر وتقف شاهد زور عليها. وشعوراً منها بهذا العجز في فلسطين والصومال والعراق وأفغانستان، بدأت الأمم المتحدة تشرك المنظمات الإقليمية مثل الاتحاد الأفريقي في تحمل أعباء حفظ السلام عنها. لكنها تبقى أعباءً تشغيلية لا تقريرية.
وأخيراً من المهم التذكير بما قاله رئيس الجمعية العامة النيكاراغوي الأب ميغيل ديسكوتو بروكمان، «الحرب ضد الفقراء خطر يتجاوز في حجمه بكثير خطر الإرهاب لما له من تأثيرات سلبية في البشرية جمعاء».
أزمات لا الأمم المتحدة ولا النظام الدولي الحالي يمتلكان حلولاً لها. ربما تتمخّض الأزمات عن عودة إلى إنشاء إمبراطوريات إقليمية كبديل من الشرذمة التي نشأت عن انهيار نظام القطبين. المؤكد بعد 62 عاماً من عمر الأمم المتحدة أن الحلول تأتي دائماً من الواقع، لا من القرارات والوثائق. والأمم المتحدة بقراراتها ساهمت في تعقيد الحلول أكثر من بلوغ نتائج سلمية لها.