strong>باراك حسين أوباما يُقسم اليمين باسمه الثلاثيعند الساعة الثانية عشرة ظهراً في التوقيت المحلي لواشنطن، يصبح باراك حسين أوباما أول رئيس أميركي من أصول أفريقية، كاسراً بذلك حواجز العنصرية التي خيّمت على أميركا الشمالية لعصور. لم يكن لون بشرته هو الميزة الوحيدة لأوباما، بل إنّ التركة المظلمة التي خلفتها إدارة جورج بوش على المستوى الداخلي والعالمي، جعلت منه «منقذاً قومياً». ذلك الشاب الذي خرج من الشعب حاملاً لواء التغيير، حشد المواطنين حوله ودفع بشبح الاغتيال بعيداً عنه، لأنّ الظروف فرضته «حاجة ملحة». الخارج والداخل ينتظر ذاك «النجم العالمي» لتحقيق وعوده، والتحديات الخارجية تبدو أثقل حملاً نظراً لقلة خبرته، ويبدو أنّه فشل في أول اختبار فيها: غزّة.

واشنطن ــ محمد سعيد
تحولت العاصمة الأميركية، واشنطن، إلى ساحة احتفالات كبيرة، وتزينت ميادينها ومتنزهاتها، بأشكال مختلفة، استعداداً لاستقبال الرئيس الرابع والأربعين للولايات المتحدة، وأول رئيس أميركي أسود، باراك حسين أوباما.
ويؤدي اليوم الرئيس المنتخب اليمين الدستورية باسمه الثلاثي، باراك حسين أوباما، أمام رئيس المحكمة الأميركية العليا، جون روبرتس، على الإنجيل الذي أقسم عليه أبراهام لينكولن عام 1861، وستحمله زوجته، ميشيل.
الحدث يجري على منصة ضخمة أُقيمت على الجانب الغربي من مبنى الكونغرس، في حضور نحو مليوني شخص جاؤوا من كل أنحاء الولايات المتحدة لمشاهدة هذا الحدث الفريد، حيث يُنَصّب أول رئيس من أصل أفريقي أسود للولايات المتحدة، في مظهر يؤكّد كسر أحد حواجز الزمن التي ضربتها عقد الماضي على تكافؤ الفرص بين البشر بسبب لونهم.
وستكون تلك هي المرة السبعين في التاريخ الأميركي، التي يؤدي فيها رئيس أميركي القسم، والمرة السادسة والخمسين التي تقام فيها هذه المراسم في مبنى الكونغرس، وهي المرة السابعة التي تُقام فيها على الجانب الغربي من المبنى، بعدما كرّسها رونالد ريغان، حتى يتسنى للملايين الذين يشاهدونها في العاصمة وعبر شاشات التلفزيون في جميع أنحاء العالم، أن يروا المشهد كاملاً. وفي خلفية هذا الجمع المهيب، يظهر النصب التذكاري لمؤسسي الدولة الثلاثة، وهم جورج واشنطن، وتوماس جيفرسون، وأبراهام لينكولن، وعلى امتداد الأفق من ورائهم تبدو مقابر آرلينغتون الوطنية.
وحسب التقاليد، سيتوجه الرئيس المنتهية ولايته جورج بوش بصحبة الرئيس المنتخب، أوباما، ونائبه جوزيف بايدن، في عرض مكشوف من البيت الأبيض إلى مبنى الكونغرس في جوّ تصل درجة حرارته إلى الصفر. وبعد انتهاء مراسم أداء القسم، يُلقي أوباما خطاب التنصيب، الذي لا تُعرف مدّته بعد، سيُتخذ موضوعه من أحد مقاطع خطاب لينكولن، وهو «ميلاد جديد للحرية ومعاً إلى الأمام»، ثم تنطلق بعد ذلك الاحتفالات عند النصب الوطني المقابل للكونغرس، الذي سيتجمع فيه مئات الألوف من الناس. وعلى منصة التنصيب، يقف الرئيس المنتخب ونائبه وحولهما أعضاء الكونغرس في دورتيه السابقة والحالية، وقضاة المحكمة العليا، وهو تجمع يرمز إلى السلطات الثلاث الرئيسية التي تحكم الولايات المتحدة.
ويغادر بعدها بوش مبنى الكونغرس، من الجهة الشرقية، بعد مراسم وداع رسمية، ويرحل عن العاصمة، واشنطن، مستقلاً طائرة مروحية خاصة في طريقه إلى مقرّ إقامته في كراوفورد بتكساس. ثم تبدأ العروض الراقصة والغنائية من أمام الكونغرس وعبر شارع بنسلفانيا حتى البيت الأبيض.
وبعد حضور مأدبة غداء يُقيمها الكونغرس على شرفه، يتوجه أوباما إلى البيت الأبيض حيث يقف في الشرفة الخارجية لمتابعة العروض من هناك. وسيشارك في أداء الشعائر الدينية في حفل التنصيب عدد من رجال الدين، الذين يمثلون غالبية الديانات في الولايات المتحدة، وسيشارك عن المسلمين رئيس الجمعية الإسلامية لأميركا الشمالية، الدكتور إنغريد ماتسون.
وقد أطلق تجمع المسلمين الأميركيين للحقوق المدنية والانتخابات، الذي يمثل مظلة لاثنتي عشرة من المنظمات الإسلامية الأميركية، 44 حمامة أمام مبنى الكونغرس أمس، وذلك رمزاً لعدد رؤساء البلاد. وقال المدير التنفيذي لمجلس العلاقات الإسلامية الأميركية، نهاد عوض، إن هذه الحمامات هي إشارة إلى الأمل الذي يحدو مسلمي أميركا في عهد أوباما، وترمز كذلك إلى الدور المهم الذي يؤديه الرئيس الأميركي في تحقيق السلام القائم على العدل.
ويشارك في هذه العروض كذلك نحو 12 ألف شخص من الكليات والمدارس الثانوية والفرق الموسيقية العسكرية وحرس الشرف العسكري وغيرها. وستُقام نحو 10 حفلات في اليوم نفسه في مختلف أنحاء العاصمة يحضر أوباما بعضها.
وكانت حفلات التنصيب تقام عادة في الرابع من آذار كل أربعة أعوام، لكن الكونغرس ما لبث أن غير هذا التاريخ عام 1933 وقدّمه إلى 20 كانون الثاني لتقليص الفترة التي يسمى فيها الرئيس «البطة العرجاء» نظراً لتضاؤل سلطاته. وطبقاً للدستور، فإن سريان سلطة أوباما يبدأ في الساعة الثانية عشرة من ظهر 20 كانون الثاني (السابعة مساءً بتوقيت بيروت).
ولم يُدعَ إلى حفل التنصيب أي من زعماء الدول، إلا أن وزيرة الخارجية كوندوليزا رايس، بعثت دعوات إلى رؤساء البعثات الدبلوماسية لدى الولايات المتحدة، وأكّدت أن هذه الدعوات لا يمكن نقلها لآخرين، وذلك حسب إشعار وقعته رايس في 6 كانون الثاني الحالي.
وكانت رايس قد أوضحت في مذكرة سابقة وزعتها على السفارات الأجنبية في 24 تشرين الثاني الماضي، أن عدم دعوة زعماء الدول ورؤساء الحكومات إلى حفل التنصيب يعود إلى تقليد قديم، فيما أشار مسؤولون إلى أن ذلك يعود إلى الازدحام الشديد الذي يصاحب هذه المناسبة والاعتبارات الأمنية.
ودُعي السفراء وزوجاتهم إلى الكونغرس لحضور مراسم أداء اليمين، وأيضاً لمشاهدة العروض على منصة مخصصة لهم عبر شارع بنسلفانيا، وبعدها للمشاركة في وليمة غداء دبلوماسية. وتخصص وزارة الخارجية حافلات لنقل السفراء لحضور حفل ديني يقام في كاتدرائية واشنطن الوطنية للمناسبة.


«التنصيب» عبر التاريخوبالنسبة إلى تغطية حفل التنصيب، حظيت صحيفة «التلغراف»، بأول تغطية في التاريخ، وكانت للرئيس جيمس بولك عام 1845. وكان تنصيب جيمس بوكانان أول حفل يُصوّر، وتمت أول إذاعة لحفل تنصيب لكالفين كوليدج عام 1925. وأول إذاعة عبر التلفزيون كانت لحفل تنصيب هاري ترومان عام 1949، فيما كان أول بث على الإنترنت لحفل تنصيب الرئيس الأسبق، بيل كلينتون، عام 1997.