من المرجّح أن تشهد السياسة الخارجية في منطقة الشرق الأوسط تحوّلاً بارزاً، مع تسلّم إدارة باراك أوباما السلطة، على صعيد التعامل مع الملف الإيراني أو ملف السلام على مختلف المسارات. كما يُفترض، نظراً إلى تشكيلة الفريق الحاكم، أن تكون دبلوماسية براغماتية تدفع باتجاه المصالحة والحوار، مع الحفاظ على أمن إسرائيل أولاً
واشنطن ــ محمد سعيد
ألّف الرئيس الأميركي المنتخب باراك أوباما فريقاً متمكّناً للتعامل مع قضايا الاقتصاد الأميركي والسياسة الخارجية والطاقة، لكنّه فريق قوي إلى حد أن الكثيرين في واشنطن يتساءلون عما إذا كان أعضاؤه سينسجمون بعضهم مع بعض. لكنّ هناك أصواتاً ترى أنّ هناك قدراً كبيراً جداً من الحماسة لدى الفريق، وكلّهم يسيرون في الاتجاه نفسه، كلّهم يريدون أن ينجح الرئيس.
على صعيد السياسة الخارجية، اختار أوباما شخصين هزمهما في سباق الفوز بترشيح الحزب الديموقراطي العام الماضي، هما هيلاري كلينتون لوزارة الخارجية، وجوزف بايدن نائباً للرئيس.
وستتجه الأنظار إلى هيلاري لرؤية مدى التناغم بينها وبين بايدن ومستشار أوباما للأمن القومي، الجنرال المتقاعد جيمس جونز، الذي عمل عن قرب خلال العام الماضي على الصعيد الأمني بين الفلسطينيين والإسرائيليين، وأظهر أنه لا يميل كثيراً إلى سياسات إسرائيل الأمنية في الأراضي الفلسطينية.
وتقول أستاذة العلوم السياسية في جامعة دارتموث ليندا فاولر «من المؤكد أن سلوكها (هيلاري) في مجلس الشيوخ يشير إلى أنها متعاونة، لا أظن أنها ستصطدم ببايدن كثيراً».
وبالرغم من أن معالجة الوضع الاقتصادي ستحتل قمّة أولويات جدول أعمال إدارة أوباما، فإن هذا لن يمنع من النظر في قضايا السياسة الخارجية الساخنة، وخصوصاً الصراع العربي ـــــ الإسرائيلي والحرب على العراق والملف النووي الإيراني والحرب على ما يسمى الإرهاب.
وقد وضع العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة إدارة أوباما أمام أوّل تحديات خارجية، ليظهر أن قضايا المنطقة غير قابلة للتجزئة، وأنّ كل ملفاتها متشابكة إلى الحد الذي لا يجعل الأمن الإقليمي قابلاً للتحقق ما دام التوتر هو سيد الموقف في أيّ جبهة، سواء في المشرق العربي أو في الخليج العربي.

التعامل مع مسارات التسوية

ويرى فريق من دوائر الفكر الاستراتيجي أن على إدارة أوباما أن تقوم بما يشبه عملية فصل المسارات في المنطقة، مع إعطاء الأولوية القصوى لحوار مع إيران، يكون هدفه إفهامها عواقب استمرار برنامجها النووي، من دون إلغاء إمكان العمل العسكري.
لكنّ أنصار هذا الرأي يقولون أيضاً إن الواقعية التي يتّسم بها فريق أوباما لشؤون الأمن القومي والسياسة الخارجية تعني عدم إغفال ملف تسوية الصراع العربي ـــــ الإسرائيلي خلال فترة هذا الحوار، بل ربما تدفع إدارة أوباما على وجه الخصوص بالملف السوري ـــــ الإسرائيلي من أجل الضغط على إيران، وتعزيز أمن إسرائيل، الذي لن يتحقق إلا من خلال تحقيق سلام دائم مع العرب.
ومهما يكن المسار الذي سوف تسلكه الإدارة، فإن ملف التسوية السلمية سيكون حاضراً بقوة، سواء نجح الحوار مع إيران أو تعثّر، وهو الأمر الذي يخضع العلاقات الأميركيّة ـــــ الإسرائيليّة لاختبار حقيقي، في ضوء القلق الإسرائيلي من أن تستنزف إيران مزيداً من الوقت في حوارها مع الأميركيين، فيما تقوم من جانب آخر باستكمال مشروعها النووي.
وبغض النظر عمّن سيكون الرئيس المقبل للإدارة الإسرائيلية الذي ستفرزه الانتخابات في شباط المقبل، ثمة إجماع بين المسؤولين الإسرائيليين على أن هناك مجموعة من التحديات الاستراتيجية تمثّل خطراً وجودياً على إسرائيل، وهي تحتاج إلى الولايات المتحدة من أجل بترها أو معالجتها بأقل الأضرار.

إيران

بعد سبع سنوات من بداية الحرب الأميركية الكونية على ما يسمى «الإرهاب»، وتوّقف مسيرة التسوية السلمية منذ عام 2000 وتعثّرها في عام 2008، وانغلاق أفقها بعد العدوان الإسرائيلي على غزّة، وأكثر من خمس سنوات من احتلال العراق، بقيت التحديات على حالها، وإن تبدّلت الأولويات، فأضحت إيران هي التحدي الوجودي الأول أمام إسرائيل التي تريد مجابهته من دون فقدان المكاسب التي تحققت على أرض الواقع الفلسطيني في الأعوام الثمانية الماضية.
لذلك، فإن أول ما تريده إسرائيل من إدارة أوباما هو وقف طموح إيران النووي، والحد من نفوذها الإقليمي قدر المستطاع. والمطلب الثاني هو الحفاظ على موازين القوى القائمة في المنطقة عبر المزيد من التعاون العسكري مع الولايات المتحدة.
وتطالب أصوات إسرائيلية بتحويل نمط التحالف غير الرسمي مع الولايات المتحدة إلى ما يشبه التعهدات القائمة بين أعضاء حلف دفاعي مثل حلف شمالي الأطلسي. أما ثالث ما ترغب فيه إسرائيل فهو ألا يكون ما سبق على حساب تقديم تنازلات على صعيد ملف التسوية السلمية، مع ما يتوقع أن تقوم به إدارة أوباما بالدفع قدماً بالملفين الفلسطيني والسوري في سياق خوض المواجهة، الدبلوماسية أو العقابية أو العسكرية، مع الإيرانيين.
وعلى الرغم من أن إدارة أوباما تضع الانسحاب من العراق والحوار مع إيران لمعالجة ملفها النووي على رأس أولوياتها في المنطقة، إلا أن أولوية الملف الإيراني لدى كلّ من إسرائيل والولايات المتحدة لا تعني تطابق الرؤى بين الطرفين.

سوريا و«حماس»

يربط الكثير من المحلّلين بين التحركات التي ستقوم بها إدارة أوباما في المنطقة وشكل الائتلاف المقبل في إسرائيل. فإذا ما وصل «الليكودي» بنيامين نتنياهو إلى رئاسة الحكومة في الدولة العبرية، فهذا يعني أن مسار التفاوض السوري ـــــ الإسرائيلي سيكون في خطر، لكون اليمين يرفض التفاوض على أساس استرجاع الجولان المحتل.
كذلك يعني أن التصعيد ربما يكون عنوان المرحلة المقبلة بين الإسرائيليين وحركة «حماس»، ومن المحتمل أن يتوقف المسار التفاوضي الفلسطيني ـــــ الإسرائيلي مرة جديدة، وهو ما ينذر بعواقب وخيمة على المستوى الأمني. أما إذا وصلت زعيمة حزب «كديما» تسيبي ليفني إلى رئاسة الوزراء، أو زعيم حزب «العمل» إيهود باراك، فإن ذلك سيمهّد الطريق أمام إدارة أوباما لأداء دور نشط على المسار السوري، وبالتالي الضغط على إيران خلال مرحلة الحوار الأميركي معها.
في المقابل، يرى محلّلون آخرون أن إدارة أوباما ستجد نفسها مدفوعة عبر الضغط أو الإقناع لإجبار إسرائيل بجدوى الحوار مع طهران، بغض النظر عن الائتلاف الجديد، وعندها على فريق أوباما أن يمنع إسرائيل من اتخاذ إجراءات أحادية الجانب تجاه إيران. ويعتقد أصحاب هذا الرأي أن المشكلة الأساسية أمام إدارة أوباما تكمن في وجود قدر من تناقض المصالح بينها وبين إسرائيل. تناقض يعود إلى عاملين جوهريين؛ أوّلهما أن الملف الإيراني بالنسبة إلى إسرائيل سينحصر في هذه المرحلة في كيفية وقف برنامج إيران النووي، لكن هذا الملف بالنسبة إلى إدارة أوباما هو جزء من معالجة ملفات أخرى في العراق وأفغانستان وعموم المنطقة. أما العامل الثاني فهو الوقت. فإذا لم يثمر الحوار الأميركي الإيراني خلال العام الأول لإدارة أوباما، فسوف تنزعج إسرائيل مع بداية عام 2010، وهو ما يمكن أن يؤدي إلى بداية خلاف أميركي ـــــ إسرائيلي على طريقة التعامل مع الملف الإيراني.
لكن غالبية الآراء تتفق على أنّه سواء نجح الحوار الأميركي مع إيران بشأن ملفها النووي أو فشل، سيدفع سباق التسلّح بين إسرائيل وإيران الإدارة الأميركية والدولة العبرية إلى المزيد من التعاون العسكري، يرجّح أن يمتد ليشمل دعم إسرائيل بمظلة أميركية نووية إضافية.

التسوية السلمية

يعتقد مراقبون أن إدارة أوباما ستلجأ، في ضوء البحث عن حلول أخرى، إلى محاولة اتباع سياسة فصل إيران عن المشرق العربي، ولن يحصل ذلك من دون تقديم حافز لسوريا قد يكون اتفاق سلام مع إسرائيل، وحوافز اقتصادية مغرية، بل وستتّبع إدارة أوباما سياسة أكثر براغماتية في «الصراع الفلسطيني ـــــ الإسرائيلي». فقد تضغط على إسرائيل لتهيئة بيئة فلسطينية داخلية تكون أكثر قبولاً لمتطلّبات التسوية. وبالتالي، عليها أن تعيد الاعتبار إلى ملف التسوية السلمية الذي تجاهلته إدارة جورج بوش سبعة أعوام. ويؤكّد المتخصص في دراسات الشرق الأوسط في مجلس العلاقات الخارجية ستيفن كوك، والمحلّل في مركز «سابان» لسياسية الشرق الأوسط في معهد «بروكيغنز» شبلي تلحمي، أهمية أن يتبنّى أوباما إطاراً متعدداً في سياسته في مجالات الأمن والسلام في المنطقة التي تربط الصراع العربي الإسرائيلي بالأجندة الإقليمية والدولية. وشدّدا، في كتاب بعنوان «استعادة الثقة: استراتيجية الشرق الأوسط للرئيس الجديد»، الذي صدر أخيراً عن مركز «سابان» بالتعاون مع مجلس العلاقات الخارجية، على ضرورة حل هذا الصراع، الذي سيكون من مصلحة الولايات المتحدة، ويعدّ محورياً للأطراف فى المنطقة، وهي إسرائيل والفلسطينيين وسوريا ولبنان. وحذّر الاثنان من أن مصر والأردن، الدولتين الموقعتين على معاهدة سلام مع إسرائيل، يمكن أن تنجذبا إلى الصراع إذا انهار الحل القائم على أساس دولتين. ويعدّ هذا الصراع مصدراً لغضب الرأي العام العربي من السياسة الأميركية، ومصدراً لتعزيز النفوذ الإيراني في العالم العربي. وطالبا أوباما بالعمل مع حلفاء أميركا في المنطقة لإقناع «حماس» بوقف إطلاق النار، ودعم الجهود الدولية للحد من تدفّق الأسلحة إلى الأراضي الفلسطينية، والاعتراف بأن قوة «حماس» نابعة من دعم قطاع مهم من الشعب الفلسطيني، والعمل على دعم المصالحة بين «فتح» و«حماس».


فريق الشرق الأوسط!