قصف وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا) أثناء وجود الأمين العام للأمم المتحدة، بان كي مون، في إسرائيل لم يكن صدفة، بل كان يرمي إلى ثنيه عن زيارة القطاع، لكي لا تؤثر المشاهدات في مواقفه
نيويورك ــ نزار عبود
عاد الأمين العام للأمم المتحدة، بان كي مون، إلى نيويورك بعد جولة شملت تسع دول شرق أوسطية، إضافةً إلى غزة. عاد فاقداً صوته. لم يتمكّن من الردّ على أسئلة الصحافيين، ولا مخاطبة مجلس الأمن الدولي في جلسته الشهرية عن الشرق الأوسط، تاركاً الأمر لوكيله للشؤون السياسية، لين باسكو، الذي قال إن الأمين العام تأثر كثيراً بما شاهده في غزّة من خراب ودمار.
وعبّر بان عن غضبه الشديد، وبدا التأثر عليه من القصف الإسرائيلي لمقارّ الأمم المتحدة أثناء الزيارة وطالب بإجراء تحقيق. لكن مطلبه بقي ناقصاً وغامضاً، فهو لم يتحدث عن تحقيق مستقل، بل ترك الأمر للفاعلين أنفسهم. وقال إنه نقل للإسرائيليين استياءه من القصف وطالبهم بمحاسبة المسؤولين عنه.
الإسرائيليون وعدوا بان خيراً. وقال له رئيس الوزراء الإسرائيلي، إيهود أولمرت، إنه سيقدم نتائج التحقيق «على وجه السرعة». وأضاف «سأقرر عندئذ ما هي إجراءات المتابعة المناسبة». لكنهم في اليوم التالي منعوا نشر أسماء أو صور الضباط والجنرالات الذين شاركوا في عدوان غزة خشية ملاحقتهم قضائياً حول العالم.
وعندما سألت «الأخبار» لين باسكو عن موعد التحقيق، وكيف يمكن أن يكون واقعياً وإسرائيل لم تلتزم بعد 13 عاماً بقرارات التحقيق الدولي في مجزرة قانا الأولى ولم تدفع تعويضات مخيم الأمم المتحدة، أجاب «علينا أولاً أن نستمع إلى ما سيفيدنا به الإسرائيليون والبناء عليه. وموظفو الأمم المتحدة مستعدون لتقديم أي معلومات والتعاون التام مع أي تحقيق».
وبهذا المعنى، فإن موظفي «الأونروا» في غزّة، وفي مقدمتهم كارين أبو زيد وجون غينغ، سيقدّمون ما لديهم من أدلة إلى إسرائيل لمساعدتها في التحقيق لإدانة ضباطها وجنودها بارتكاب جرائم حرب.
في الأمم المتحدة يتحدثون عن أن بان تعرّض لمضايقات كثيرة من الجانب الإسرائيلي قبل زيارته لغزة وفي خلالها. وقالت مصادر مطلعة إن «قصف مقرّ الأونروا للمرة الثالثة أثناء وجود بان في إسرائيل لم يكن صدفة، بل كان يرمي إلى ثنيه عن المضي في خطته لزيارة القطاع، لكي لا تؤثر الزيارة والمشاهدات الإجرامية على أرض الواقع في مواقفه السياسية. ولكي لا تسرع التحقيقات الدولية التي نجحت إسرائيل في الماضي في تفاديها باتباع أساليب التسويف والترهيب والترغيب».
فالأمين العام تردّد في زيارة غزة في الأساس بناءً على «توصيات» غير محدّدة من أشخاص أعربوا عن خوفهم على سلامته. وعندما علمت الدوائر العسكرية الإسرائيلية أن الزيارة باتت حتمية ولم تستطع تغيير قراره، حددت الأماكن التي يستطيع زيارتها. لكن المتحدثة باسمه، ميشال مونتاس، نفت أن يكون قد أخذ تصريحاً من الإسرائيليين أو من «حماس» في زيارته إلى القطاع أو إلى جنوب إسرائيل.
وجاء في تقرير بان إلى مجلس الأمن عن رحلته إلى الشرق الأوسط، الذي قدّمه نيابةً عنه باسكو لأن بان بحّ صوته، أن العنف الذي حدث في غزّة في الآونة الأخيرة هو علامة على «الفشل السياسي الجماعي». ودعا إلى «جهد دولي واسع» لإنهاء الصراع العربي ـــــ الإسرائيلي. وأوضح أنه طالب بتحقيق شامل من جانب إسرائيل في «عدة حوادث تضمنت هجمات شنيعة على منشآت الأمم المتحدة». وأشار إلى أنه يتوقع «أن يتلقّى تفسيراً كاملاً لكل حادث وأن يحاسب المسؤولون عن أفعالهم». ودعا إلى وحدة الصف الفلسطيني. وقال إنه سيحثّ الرئيس الأميركي، باراك أوباما، على جعل الشرق الأوسط من أهم أولوياته.
وشدّد بان على أن مخاطر الصراع في غزة كانت تهدد بالتوسع لتشمل لبنان. وناشد الإسرائيليين ضرورة تنفيذ البنود الباقية من قرار مجلس الأمن الدولي 1701 المتعلقة بالانسحاب من شمال الغجر. وأشار إلى أنه ناقش الوضع اللبناني مع القيادة السورية أثناء زيارة دمشق.
وتحدث باسكو، في خطابه أمام المجلس نيابةً عن بان، عن سلّم الأولويات للمرحلة المقبلة التي لخّصها بالمساعدات الإنسانية وضرورة إدخالها بطريقة عاجلة إلى القطاع عبر شتى المعابر بما في ذلك معبر رفح، يتزامن ذلك مع منع تهريب الأسلحة إلى «حماس» عبر فرض رقابة أوروبية أو تركية بالتنسيق مع القاهرة، يليه العمل على إعادة غزة إلى حضن السلطة الفلسطينية في رام الله بقيادة محمود عباس تمهيداً لاستئناف عملية التسوية حسب خطة أنابوليس وخريطة الطريق ومقرّرات اللجنة الرباعية. وختم بالقول إن الأزمة الأخيرة في غزة «مجرد مظهر من مظاهر المشاكل الأوسع والصراعات الأعمق». وحذر من العودة لمواجهة وضع مماثل من الانفجار «نتيجة حركة الاستقطاب والإحباط التي تسود المنطقة».