الحملة الحكوميّة تحقّق أهدافها... والبحث جارٍ عن زعيم الثوّارمي الصايغ
خلال الأسابيع الماضية، دأب الجيش السريلانكي على إعلان السيطرة على معاقل «جبهة تحرير نمور التاميل». وأمس أكد الجيش السيطرة على مدينة مولايتيفو، آخر المدن التي خاضعت، عقب معارك ضارية.
وسقوط المدينة، التي كانت المعقل الوحيد الباقي للمتمردين، ضربة قاسية لهم بعد طردهم من عاصمتهم السياسية كيلينوتشيتشي مطلع هذا الشهر، خلال الحملة التي شنتها القوات النظاميّة عبر إرسال قوات برية وبحرية وجوية لمحاولة حصار المتمردين في معاقلهم الشمالية بعد إلغاء اتفاق وقف إطلاق النار في كانون الثاني من العام الماضي.
الحملة، التي أتمت عامها الأوّل، ترتّب على أثرها انسحاب بعثة دول الشمال، المؤلّفة من 30 عضواً لمراقبة وقف إطلاق النار، الذي أُبرم في شباط من عام 2002، ومغادرة العاملين في منظمات الإغاثة وسط إعلان الحكومة السريلانكية عجزها عن توفير حمايتهم.
وسقوط اتفاق السلام بدأ مع وصول الرئيس ماهيندا راجاباسكي إلى الحكم نهاية عام 2005، إذ أيد اعتماد الحزم حيال التاميل الذين يتهمهم بأنهم «إرهابيون». وقد أصبحت هذه الهدنة من دون جدوى منذ مطلع 2006، حين تجددت المواجهات بين الطرفين، وسط تضارب روايات عدد الضحايا لكلا الفريقين.
لكن راجاباكسي يبدو حاسماً هذه المرة، إذ إنه أراد من خلال هذه الحملة السيطرة على مدينة كيلينوتشيتشي، العاصمة السياسية لحركة التاميل، وهو ما توافر له الشهر الماضي. السقوط رفع آمال كولومبو بتفكيك الدولة المصغرة التي يقودها المتمردون في المناطق الشمالية للبلاد، واعدة بأن «تستمر الحكومة في معركتها على الإرهاب حتى يتحرر الشمال كما حرر الشرق» في تموز من العام الماضي.
وجاء فوز حزب «تحالف حرية الشعب المتحد»، في الانتخابات الحكومية المحلية في مقاطعة شمال الوسط ومقاطعة ساباراجاموفا في آب الماضي، ليدفع باتجاه تبني استراتيجية راجاباسكا العسكرية. فوز رأى الرئيس السريلانكي أنه يمدّ جنود بلاده «بقوة وروح معنوية» لا حدود لها في معاركهم، ولا سيما أنه أجرى الانتخابات قبل الموعد المحدد بـ 14 شهراً لاختبار الشعور العام تجاه حملته العسكرية الحالية ضد التاميل في الشمال والشرق.
حملة باتت قاب قوسين أو أدنى من إحراز أهدافها مع سقوط آخر معاقل المتمردين في شمال شرق البلاد، حيث ينهمك الجيش في البحث عن زعيم التاميل فلوبيلاي برابهاكران الذي يظن أنه يختبئ بين الغابات الكثيفة، فيما فرضت البحرية السريلانكية حصاراً على طول المنطقة البحرية لمنعه من الفرار، وسط ترجيح قائد الجيش الجنرال ساراث فونسيكا فرضية هروب برابهاكران على متن مركب متجهاً نحو القارة الأفريقية.
ورأى كاتب السيرة الذاتية لبرابهاكران، الصحافي الهندي م.ر نارايان سوامي، أن اعتقاله أمر مستعصٍ، «فالحكومة يجب ألا تكون واثقة إلى هذا الحد. لو كان الأمر سهلاً لكان اعتقل منذ سنوات عديدة. حتى إن من غير المرجح أن يسمح لنفسه بأن يعتقل حياً».
أمّا خسارته فسيكون لها آثار مدمرة على الحركة، على حد تعبير سوامي الذي يرى أن برابهاكران «دماغ الحركة، وقلبها، وإلهها، وروحها. والمنظمة بأكملها تتمحور حوله».
والجدير بالذكر أن هذه الحملة العسكرية، كانت كفيلة باستحضار تجربة 25 سنة من الحرب الأهلية التي تعود جذورها إلى بداية ثمانينيات القرن الماضي، حين اندلع نزاع بين حكومة كولومبو التي تسيطر عليها الإثنية السنهالية، وحركة نمور التاميل. ومع سعي جبهة «إيلام» لإقامة دولة مستقلة شمال البلاد وشرقها، ترسخ الانقسام بين الأغلبية السنهالية والأقلية التاميلية في صراع عرقي، قاد إلى حرب انفصالية في المناطق الشمالية والشرقية من البلاد التي يوجد فيها التاميل، راح ضحيتها نحو 70 ألف قتيل.
حرب استدعت تدخل نيودلهي ونشرها قوات هندية لحفظ السلام في نهاية الثمانينيات، إلا أن استعار القتال بين الجانبين دفع القوات الهندية إلى العودة إلى بلادها عام 1990، فيما لا تنفك حركة التاميل عن اتهام نيودلهي بالتواطؤ مع سريلانكا خوفاً من انتقال عدوى الانفصال إلى ولاية تاميل نادو في جنوب الهند.
ومنذ مصرع رئيس وزرائها السابق راجيف غاندي سنة 1992، الذي اتُّهمت التاميل بالوقوف وراء اغتياله، ظلت الهند مراقباً خارجياً لعملية السلام في سريلانكا، مطالبةً بصورة مستمرة بتسليم فلوبيلاي برابهاكران الذي يرأس الحركة منذ عام 2005.
أمّا فاتورة هذا الاقتتال، فدفعها مسلمو سريلانكا، إذ أدت هجمات التاميل إلى تشريد 100 ألف مسلم من المناطق الشمالية. ويأخذ التاميل على المسلمين تعاونهم مع الحكومة السريلانكية، ويطلق الثوار عليهم لقب «الخونة» رغم حرص المسلمين على النأي بأنفسهم عن هذا الصراع.