بعد نحو سبع سنوات على إنشاء معتقل غوانتنامو، ها هو العد العكسي للإغلاق قد بدأ. سبع سنوات مارست فيها الإمبراطورية الأميركية أبشع وسائل التعذيب بحق المعتقلين، من الإطعام القسري للمضربين عن الطعام عبر الأنابيب إلى تعريضهم للضجيج والإيهام بالغرق ودرجات حرارة لا تطاق. لكن سؤال ما بعد الإغلاق ومصير المعتقلين في السجن لا يزال من دون إجابة
مي الصايغ
بات معسكر غوانتنامو وصمة عار في سجل أميركا لحقوق الإنسان. عار تعهد الرئيس باراك أوباما، منذ بداية حملته الانتخابية، مسحه عن جبين بلاده، ليتيح لها «استعادة مكانتها على الصعيد الأخلاقي». أراد أن يكون 22 كانون الثاني من العام الجاري، تاريخ توقيعه مرسوم إغلاق المعتقل في غضون عام واحد، بداية القطيعة مع عهد سلفه الرئيس الأميركي جورج بوش، وعلى وجه الخصوص يوم 11 كانون الثاني 2002 تاريخ وصول أول معتقل إلى المعسكر في الجزيرة الكوبية.
لكن ماذا بعد غوانتنامو؟ أين سيذهب المعتقلون؟ سؤال هو محور خطوات الإدارة الأميركيّة التالية، ولا سيما أنه لا يزال هناك 245 سجيناً في المعتقل، بينهم100 ستبقي عليهم الولايات المتحدة، إما لخطورتهم أو لعرضهم على محاكم أميركية. ولكن المشكلة تكمن في مكان احتجازهم، وكيفية محاكمة «المقاتلين الأعداء».
لا تزال خيارات أوباما غير واضحة، وليس هناك توجّه دقيق للتعاطي مع المعتقلين. فهو يريد عودة بعض السجناء إلى بلادهم، فيما بعض هذه الدول ترفض استردادهم. يريد محاكمة بعضهم في محاكم أميركية، لكنْ هناك عدد كبير من القضايا لا يمكن هذه المحاكم النظر فيها. وسوف ينتهي به الأمر، بحسب بعض المحلّلين، إلى ابتكار نموذج قريب إلى اللجان العسكرية التي شكلتها إدارة جورج بوش.
ورغم أن أوباما لم يتخذ بعد أي قرار بشأن كيفية تنفيذ ذلك، يشير الباحث في معهد «بروكينغز» الأميركي، بنجامين ويتس، إلى أن هناك خيارين أمام أوباما. الأول يتمثل في أن يجري إغلاق غوانتنامو وفق رؤية «الكل يجب محاكمته سواء في محاكم عسكرية أو فدرالية، ومن لا نستطيع تقديم تهمة جنائية ضده، يجب إطلاق سراحه». والثاني، إغلاق غوانتنامو، من دون تغيير يشمل السياسات.

الخيار الأول

يبدو الخيار الأول الأقرب إلى إدارة اوباما، ولا سيما أنها علّقت المحاكمات العسكرية لمدة 120 يوماً كي يتاح لها مراجعة ملفات المعتقلين كلاً على حدة، تمهيداً لإرسالها إلى المحاكم، وتحديد المعتقلين الذين ستجري محاكمتهم، أو عودتهم إلى بلادهم أو اختيار أي مكان آخر لهم.
خيار نصح جوناثان هافتز، من نقابة الحريات المدنية الأميركية، بالاحتكام إليه. فالدرس الذي يمكن استخلاصه منذ سبع سنوات أنه «إذا حاولت خلق أجهزة من خارج الإطار العام، ستؤدي إلى مشاكل. فالأفضل الاحتكام إلى نظام يعود إلى 230 عاماً، عوضاً عن تطوير نظام جديد قد يقود إلى التخلي عن الحقوق الأساسية».
كما أنه يلقى قبولاً أيضاً لدى منظمة «هيومن رايتس ووتش»، التي أشارت في أيار الماضي إلى أنه منذ أحداث 11 أيلول، كان هناك 107 قضايا ناجحة بشأن الإرهاب الدولي أمام المحاكم الفدرالية، مقارنةً بـ3 اتهامات في اللجان العسكرية في غوانتنامو. وبالتالي، تصبح المحاكم الجنائية الفدرالية، بنظر الناشطة الحقوقية دوبرا كولسن، الأكثر قدرةً على معالجة قضايا إرهابية، والمؤهلة للتعامل مع الأشخاص والشهود عبر البحار، من دون التضحية بحاجة الحكومة إلى حماية الأدلة الحساسة، مع مراعاتها لحقوق المتهمين.
غير أنه إذا ما أخذت بعض القضايا بعين الاعتبار، ولا سيّما لجهة استخدام التعذيب في استجواب المعتقلين، التي يرفض القضاة الفدراليون المضي به، تبرز مسألة عدم ضمان كسب القضايا ضد المتهمين بهجمات 11 أيلول، وغيرهم ممن يوصفون بأنهم ذوو قيمة كبيرة، لأن المحاكم الفدرالية والعسكرية أكثر حماية لحقوق المعتقلين من اللجان العسكرية العاملة في غوانتنامو. فقد يشتكي المعتقلون من أن حقهم في تعجيل المحاكمة قد انتُهك، وأن معتقليهم لم يقرأوا عليهم الحقوق، وأن الأدلة التي انتُزعت منهم إما غير كافية أو باطلة، كما لحظها القانون الجنائي عام 2001.
واقع يجعل من إطلاق سراح بعض المعتقلين تهديداً كبيراً للأمن القومي. معتقلون يمثل محمد القحطاني، المشتبه بتخطيطه لأحداث 11 ايلول، عينة خاصة منهم. فمن الصعوبة مقاضاته، على خلفية تعذيبه لانتزاع اعترافات منه، فيما يمثّل إطلاقه خطراً.
وجاءت عودة سعيد علي الشهري «ابو سياف»، الذي سلم إلى السعودية عام 2007 وخضع لبرنامج إعادة تأهيل، إلى جبهات الجهاد حيث يشغل حالياً منصب نائب تنظيم «القاعدة في اليمن»، لتثير مخاوف من أن يسلك معتقلو غوانتنامو الطريق الذي اختاره المعتقل الرقم 372.
أمّا في ما خص المعتقلين الذين حكم عليهم بأنهم غير خطرين وجرت تبرئتهم تمهيداً لإطلاق سراحهم، فينبغي أن يعودوا إلى وطنهم الأم. وسبق لمسؤولي وزارة الخارجية الأميركية القيام برحلات في أنحاء أوروبا وشمال أفريقيا وأماكن أخرى لإقناع تلك البلدان بقبول مواطنيها من معتقلي غوانتنامو. وقد أنكرت بعض الحكومات أن يكون السجناء من مواطنيها، فيما رفضت أخرى طلبات أميركية بسجن العائدين من غوانتنامو أو وضعهم تحت المراقبة.
لكن مع وصول أوباما إلى المكتب البيضاوي، لاحت بوادر أمل بأن يتمكن عبر جهوده الدبلوماسية أن يسرّع تسليم بعض المعتقلين إلى بلدانهم، وأن يستقبل العديد منهم على الأراضي الأميركية، في مقابل الحصول على ضمانات بأن يوضع بعض المفرج عنهم، الذين سيعودون الى بلادهم، تحت المراقبة.

الخيار الثاني

الخيار الثاني لويتس ينص على إغلاق غوانتنامو، من دون تغيير يشمل السياسات. إذ بالإمكان نقل المعتقلين إلى قاعدة على أراضي الولايات المتحدة أو إلى أي مكان آخر، حيث يمكن احتجازهم في السياق القانوني نفسه، أي اعتبارهم «مقاتلين أعداءً»، لكن ذلك يعدّ تغييراً في المكان لا في السياسة بحد ذاتها.
وهناك حديث عن إمكان أن تتحول أفغانستان إلى «غوانتنامو جديد»، أو أن يُنقل المعتقلون إلى سجون عسكرية على الأراضي الأميركية. ويشدّد الصحافي في جريدة «ويكلي ستنادرد»، على أنه «سيكون هناك غوانتنامو جديد. سيحتاجون إلى مكان لوضع المعتقلين فيه. فعلى سبيل المثال، كيف سنحاكم خالد الشيخ محمد، العقل المدبر لهجمات 11 أيلول؟ المعضلة أنه لا يمكننا محاكمته في محاكمنا الفدرالية، ولو استطعنا، هل ستأخذ المحكمة باعترافاته؟ من ستكون قادرة على إدانته بأي جريمة؟ أعني لا يمكن أن تدع الرجل يذهب بكل بساطة. سوف يدرك الرئيس كم هو صعب إغلاق هذا المعتقل. أشك في أنه سيغلق خلال عام لأنهم إذا أغلقوه، فعليهم فتح آخر».
وكانت دراسة قد أجرتها وزارة الدفاع الأميركية عام 2006 أشارت إلى إمكان اعتماد منشأة عسكرية في ميناء ليفنورث وتشارلستون بديلاً لغوانتنامو، غير أن أعضاءً في الكونغرس يمثلون تلك المناطق وأخرى تضم سجوناً عسكرية تعهدوا مناهضة تلك الفكرة.

سياسة الاعتقال

يبقى التحدي الأساس أنه لا يمكن معالجة معضلة غوانتنامو بمعزل عن سياسة الاعتقال في سياق الحرب على الإرهاب عموماً، حيث ألّف الرئيس لجنة لاقتراح توصيات بشأن المكان الذي سيُرسل المشتبه بهم الذين سيُعتقلون في المستقبل إليه.
فأين وكيف ستعتقل الولايات المتحدة المشتبه بهم وتستجوبهم؟ ومتى يصبح بإمكانها اللجوء إلى الاعتقال الوقائي لمشتبهي الإرهاب؟ ومتى يجب أن تعاملهم كمقاتلين أعداء وفق قوانين الحرب أو قوانين أخرى؟ وأي حقوق بإمكانهم الحصول عليها؟
ويطرح بنجامين ويتس صيغة من الاعتقال الوقائي الذي تدعمه محكمة أمن قومي. إذ يرى أن «اعتماد الإدارة السابقة على قانون الحرب كان خطأً مميتاً. إلا أن عدم تلاؤم قوانين الحرب مع المهمة التي بين أيدينا، لا يعني أنه ليس هناك سلطة اعتقال ملائمة. ليس كل المعتقلين يتطلبون قانوناً جديداً، قوانين الحرب تعمل بطريقة جيدة بالنسبة إلى غالبية من هم في المعتقلات الأميركية في العالم، لكن هذا النوع من المقاتلين الذي يختبئ بين المدنيين، هناك صعوبة أكثر في تحديده مثل المقاتل التقليدي».
ويبقى إنشاء محكمة أمن قومي الخيار الأحب إلى قلب ويتس، فالأمر في رأيه «لا يتطلب أكثر من اللجوء إلى الكونغرس، ومحاولة إقناع أعضائه بأن هناك أشخاصاً لا يمكن توجيه اتهامات إليهم، لكننا لا نستطيع إطلاق سراحهم. ساعدونا على إيجاد تشريع ما من شأنه أن يضع الأطر التي يمكن من خلالها تحدي شروط احتجازهم». لكن حتى الآن، ليس واضحاً إذا ما كان أوباما سيقبل بحجز بعض المشتبه بهم من دون محاكمة لدواعٍ أمنية.


تاريخ المعتقلويضم معتقل غوانتنامو نحو 245 معتقلاً من أصل 800 اعتقلوا فيه عند افتتاحه في 2002. وتشير التقديرات إلى أن عدد الذين قد يواجهون محاكمات فدرالية يراوح بين 50 و100 معتقل، بتهمة قيامهم بجرائم حرب، فيما اتُّهم 18 معتقلاً أمام اللجان العسكرية، على أن يُسرّح الباقون.