أنهى المجمع المحلّي للكنيسة الأرثوذكسية الروسية، خلوته الروحية أمس، بانتخاب المتروبوليت كيريل خلفاً للبطريرك ألكسي الثاني
موسكو ــ حبيب فوعاني
انتخب المجمع المحلّي للكنيسة الأرثوذكسيّة الروسيّة، الذي يضم 711 عضواً، المتروبوليت كيريل بطريركاً جديداً لكرسي موسكو وعموم روسيا، من بين ثلاثة مرشحين، انسحب منهم متروبوليت مينسك وسلوتسك فيلاريه، ما عجّل بإحصاء الأصوات وإعلان النتيجة الثلاثاء مساءً. ولم يتطلب الأمر سوى جولة واحدة من الاقتراع.
وللفوز بمنصب البطريرك كان من الضروري الحصول على 50 في المئة من الأصوات زائداً صوتاً واحداً، لكن المتروبوليت نال 508 أصوات، بينما نال منافسه المتروبوليت كليمانت 169 صوتاً من مجموع أوراق الاقتراع الصالحة البالغ عددها 677، بعد غياب عشرة أعضاء من المجمع.
وتأرجحت الكنيسة بين تيار «انفتاحي»، يمثله رئيس قسم العلاقات الخارجية الكنسية المتروبوليت كيريل، يدعو إلى «التحديث» المتمثل في الانفتاح على الطوائف الأخرى والمجتمع الدنيوي، وإمكان جذب الشباب إلى الكنيسة، وبين آخر «محافظ» يمثله مدير شؤون البطريركية المتروبوليت كليمانت، الذي يدعو إلى بقاء الكنيسة بنية منعزلة عن الدولة ومستقلة عن المجتمع، ويوجه أنصاره إلى كيريل تهمة الإعجاب بالكاثوليكية.
ويعرب الخبراء عن أن انتخاب كيريل سيسمح بأن «تصبح الكنيسة لاعباً مستقلاً في المجال السياسي». وقد برزت هذه الاستقلالية في خطاب كيريل أمام المجمع، حيث أعرب عن أسفه «لعدم وضع أسس قانونية لإلزامية تدريس الأرثوذكسية في المدارس»، وكذلك لانعدام استقرار نشاط الإكليروس في القوات المسلحة وقضايا إعادة الممتلكات والعقارات إلى الكنيسة. وقد أظهرت نتيجة انتخاب راع مؤقت للكنيسة في اجتماع السينودس المقدس، إثر وفاة ألكسي الثاني، التي تمثّلت بأحد عشر صوتاً لمصلحة كيريل، وصوت واحد لمصلحة كليمانت، توازن القوى الحقيقي في الكنيسة. وأكدت نتائج انتخابات مجمع الأساقفة الأحد هذه الحقيقة، حين نال كيريل نصف الأصوات المحتملة، وحصل المرشحون الباقون على النصف الآخر منها.
بالإضافة إلى تحديد نهاية كانون الثاني موعداً لاجتماع المجمع الكنسي المحلي، الذي صبّ في مصلحة كيريل، المعروف داخل روسيا وخارجها، وضد «الصامت الأكبر» كليمانت، الذي لم يكن لديه الوقت الكافي للقيام «بحملته الانتخابية». ويجري التصويت من قبل وفود الأبرشيات الروسية، التي يضم كل منها أسقفاً وراهباً وعلمانياً. الرهبان المعروفون، في غالبيتهم، بنظراتهم التقليدية المحافظة، التي لا تفيض بالودّ للمتروبوليت كيريل. غير أن إدخال العلمانيين المعجبين في غالبيتهم بالمتروبوليت كيريل، خفف من وطأة الرهبان. من ناحية أخرى، ذكرت المتحدثة الصحافية باسم الكرملين، ناتاليا تيماكوفا، أن السلطة السياسية الروسية «لا تتدخل في انتخاب البطريرك». وعلى الرغم من هذا النفي، فإن السلطات الحاكمة كانت تتدخل دائماً في انتخابات البطريرك، ما عدا عام 1917 قبيل انتصار البلاشفة وعام 1990 قبيل انهيار الاتحاد السوفياتي، وذلك لضعفها. وكانت هناك ورقة رابحة في يد كليمانت تمثلت في تأييد بعض قاطني الكرملين له، آخذين في الحسبان مراهنته على فوز ديمتري مدفيديف بخلافة فلاديمير بوتين، بعكس كيريل الذي راهن على وزير الدفاع السابق سيرغي إيفانوف، ما دفع بأنصاره إلى طلب تدخل رئيس الحكومة فلاديمير بوتين لتحقيق التوازن المطلوب.
يشار إلى أن السلطات الروسية تريد، في ضوء الاضطرابات المتوقّعة من حالة الركود الاقتصادية، استخدام الكنيسة صمام أمان لتهدئة التوترات الاجتماعية، وليس أفضل من كيريل وموهبته الخطابية والحوارية لذلك.


يبدو أن الحكومة الروسية، على الرغم من الاستقلالية النسبية لكيريل (الصورة)، لا تريد، في ظل الأزمة المالية، أن يكون صولجان البطريركية في عهدة «أصولي»، يرى أن الدولة «تنتهج سياسة معادية للشعب»، ويطالب «بعدم الاعتراف بالديموقراطية نظاماً سياسيّاً»