في الخامس عشر من شهر أيلول الماضي، وقّع رئيس زيمبابوي روبرت موغابي، وزعيم المعارضة مورغان تسفانجيراي، في هراري اتفاقاً لتقاسم السلطة وتأليف حكومة وحدة وطنية، بهدف وضع حدّ للأزمة السياسية التي عانتها البلاد عقب نتائج الانتخابات الرئاسية التي فاز فيها موغابي للمرة السادسة على التوالي. ولكن هذا الاتفاق بقي حبراً على ورق، بسبب الاختلاف على توزيع الحقائب الوزارية السيادية، وخصوصاً وزارة الداخلية، التي يرفض موغابي التنازل عنها، فيما يتمسك تسفانجيراي بها ويعتبرها من حقه، نظراً إلى ما سبق أن تعرّض له أنصاره من حملات تنكيل وأعمال عنف قادتها ضدهم الأجهزة الأمنية الرسمية.
ويبدو من غير المرجح أن ينجح الطرفان في تخطي خلافاتهما والتوصل إلى تفاهم يعيد إحياء ما تم الاتفاق عليه، وخصوصاً بعد إعلان موغابي، أمس، أنه سيؤلف حكومة جديدة بمشاركة تسفانجيراي أو من دونه. ولا يبدو أيضاً أن النداءات الدولية التي أطلقتها الولايات المتحدة الأميركية، والدول الأوروبية، وحتى بعض الدول الأفريقية للرئيس موغابي للتنحي عن السلطة تجد الصدى المطلوب. كذلك، فإن فرض المزيد من العقوبات في ظل الأوضاع الاقتصادية والإنسانية الراهنة وانتشار وباء الكوليرا لن تكون مثمرة على الإطلاق. واستطراداً، فإن اللجوء إلى حلٍ عسكري لتسوية الأزمة هو خيار غير واقعي.
أمام هذا الواقع، يبقى المضيّ قدماً في المفاوضات هو الخيار المناسب حالياً الذي يستطيع أن يمنع الانهيار التام في زيمبابوي، ولكن ما هي الأسس التي يجب أن تقوم عليها المفاوضات الجديدة، وما الهدف منها؟
في هذا السياق، يخلص تقرير لـ«مجموعة الأزمات الدولية» إلى القول إن اعتماد الخيار التفاوضي يتطلب تحوّلاً جذرياً في أهداف التفاوض من قبل قادة البلاد ودول المنطقة. ولا بد أن تتجاوز المفاوضات مسألة تقاسم السلطة وتتركز على إقامة «إدارة انتقالية»، يديرها خبراء غير حزبيين، تُكلف تنفيذ الإصلاحات السياسية والاقتصادية، وتعدّ لإجراء انتخابات رئاسية جديدة في خلال مدة زمنية محددة.
ولذلك، فإن التحوّل في المسار التفاوضي يجب أن يبدأ أولاً باختيار وسيط جديد يخلف رئيس جنوب أفريقيا السابق، ثابو ميبكي، بعد إعلان تسفانجيراي أن مبيكي لم يعد مرحباً به كوسيط. على أن يشترك في تسمية الوسيط الجديد، كل من الاتحاد الأفريقي، ومجموعة تنمية دول الجنوب الأفريقي «ساداك» والأمم المتحدة، وتقع عليه مهمة إجراء مفاوضات لإقناع الأطراف بأهمية القبول بـ«الفترة الانتقالية». فترة يتم خلالها اختيار شخصية من قبل ثلثي أعضاء البرلمان ليدير شؤون البلاد، على ألّا يسمح له بالترشح للانتخابات الرئاسية المقبلة، أو شغل أيّ منصب في الحكومة المقبلة.
ولكن، لا بد في المقابل من العمل على إقناع موغابي بالتنحي عن السلطة، وإعطائه ضمانات بعدم ملاحقته قضائياً في حال موافقته على ذلك. كذلك، لا بد من إصدار عفو يستفيد منه المتورطون في أعمال العنف إذا وافقوا على الاستقالة من مناصبهم، وعدم المشاركة في أي نشاطات تهدد الاستقرار العام في البلاد، على أن تترافق هذه الإجراءات مع قيام الجهات المانحة بتقديم مساعدات عاجلة تساهم في إنجاح الفترة الانتقالية ومعالجة الأزمة الإنسانية والصحية، ثم رفع العقوبات المفروضة على زيمبابوي.
(الأخبار)