شهيرة سلّومعُرف الرئيس الأميركي، باراك أوباما، بتركيبته «الجينية المعولمة». فهو الأفريقي الأصل، من أب كيني مسلم أصبح ملحداً، وأم مسيحية أصبحت علمانية، أخته إندونيسية متزوجة صينياً ـــ كندياً، ترعرع في مدارس إسلامية في جاكرتا، حيث كان يزور أيضاً بوروبودور، أحد أكبر المعالم البوذية، وزار باكستان قبل أن يُغادر إلى هاواي حيث جدّاه الأبيضان.
نشأته جعلته غير ملتزم دينيّاً إلى أن عاد واعتنق المسيحية. نقلت عنه «نيوزويك» في عددها 22 تموز العام الماضي قوله «أنا أتابع مسيرتي الدينيّة الخاصة، وما زلت أبحث، ولا أستبعد كوني مخطئاً بالكامل». أصدقاؤه يهود ومسلمون، باكستانيون وإندونيسيون، يمينيّون ويساريّون. قرأ القديس أوغسطين وفريديريك نيتشه وتأمّل أفكارهما.
في المختصر أنها التركيبة المعولمة «الفتاكة» لمواجهة التنظيم الديني المعولم، «القاعدة»، لتحقيق هدف أساسي لـ «سي أي إيه»: سلخ الحاضنة الشعبية التي يرتكز عليها التنظيم. فأوباما هو الأقدر على استقطاب تلك الحاضنة لحضها على السير وراءه و«تعرية القاعدة»، من أجل الاستفراد بها.
قال أوباما إنّه سيُنهي الحرب على الإرهاب، التي بدأها سلفه جورج بوش، في الميدان الفعلي لها، ليس في بلاد الرافدين حيث تذرّع بها المحافظون الجدد لتحقيق غاياتهم، بل في أفغانستان والمناطق القبلية الباكستانية، التي تعتبرها وكالة الاستخبارات المركزية «الجنّة الآمنة» لـ«القاعدة».
ورأى أوباما، منذ الحملة الانتخابية، أن تلك هي أرض المعركة الحقيقية. انتقد استراتيجية بوش في «الحرب على الإرهاب»، كما مختلف سياساته الداخلية والخارجية «الفاشلة». فاتخذ قرارات في الأيام الأولى لولايته لفكّ ارتباطه بالبوشية، وتربعت ثلاثة ملفات رئيسية على عرش هذه القرارات؛ غوانتنامو بتوقيعه قرار إغلاقه في غضون عام وحظر استخدام أساليب التحقيق القاسية التي اتّبعتها الـ«سي آي إيه»، والعراق باجتماعه مع القيادات العسكرية لوضع خطة «انسحاب مسؤول» في غضون 16 شهراً تنفيذاً لوعده، والشرق الأوسط بإرساله مبعوثاً خاصاً وجعل السلام من أولويات إدارته على غرار ما فعلت إدارة بيل كلينتون السابقة.
وباستثناء غوانتنامو، اللافت أنّ أوباما لم يتخذ قرارات مباشرة من شأنها تغيير «استراتيجية مكافحة الإرهاب البوشية»، ولا سيما في المعركة الدائرة في أفغانستان وباكستان، رغم تعيينه مبعوثاً خاصاً إلى المنطقة، وإقراره بزيادة عدد القوات القتالية والقيام بحشد دولي لهذه الغاية. مع الإشارة إلى أن الخطة الأخيرة كانت قد أقرّت بضروراتها الملحة الإدارة السابقة، لكنّها لم تنفّذها بسبب وجود القوات في العراق.
فالطائرات الأميركية تابعت مسلسل شنّ هجماتها «الأُحادية» داخل المناطق القبلية الباكستانية، في إطار الاستراتيجية التي وضعتها الـ «سي آي إيه» لقتال «القاعدة» وحليفته «طالبان» في تلك المنطقة. ولم يكد يمضي يوم على تنصيب أوباما حتى وجّهت تلك الطائرات ضربتها داخل المنطقة القبلية ضدّ أحد الأهداف، وأسقط نحو عشرة أشخاص «يشتبه في ارتباطهم بالقاعدة».
وكانت وكالة الاستخبارات والبنتاغون قد وضعتا في العامين المنصرمين، خططاً لملاحقة «القاعدة» في تلك المنطقة، تتضمن إنشاء وحدات قتالية خاصة تدخل إلى المنطقة وتلاحق على الأرض مقاتلي «طالبان» و«القاعدة»، إلا أنّ هذه الخطة تنطوي على الكثير من المخاطرة إذ إنها تعرّض عناصر الوحدات الخاصة للوقوع في الأسر أو القتل، لذا استُبعدت «كخطة أساسية»، أو القيام باجتياح عسكري للمنطقة الشمالية الغربية لباكستان وهذا أيضاً يرتبط بموافقة إسلام آباد فضلاً عن المخاطر الميدانية بسبب طبيعة المنطقة القبلية الوعرة. عندها كانت الخطة المنهجية الفُضلى، توجيه ضربات جوية خاطفة ضدّ أهداف بعينها تُسقط خلالها قادة أساسيين لـ «القاعدة». وقد نجحت في ذلك، إذ تجاوز عدد الضربات الأربعين قامت من خلالها بتصفية العشرات من مقاتلي «القاعدة» و«طالبان»، ضمنهم قادة من الصف الثاني.
لم يذكر أوباما أنه سيقوم بتبديل تلك الاستراتيجية، إذ أثبتت نجاحها، والدليل استمرارها في وتيرتها المعتادة بغض النظر عن زمن دخول الرئيس إلى مكتبه البيضاوي. أعلن فقط أنّه سينعش تلك الحرب الدائرة في شبه القارة الهندية من خلال زيادة عدد القوات والحصول على حشد ودعم دوليين.
وعليه فإنّ الرئيس الأسود سيخدم تلك الحرب أكثر من سلفه بوش، فهو سيتابع ما يُعدُّ «ناجعاً» في الاستراتيجية السابقة، والأقدر على سلخ «القاعدة» عن حاضنتها الشعبية، لكون المعركة عالمية ولن تُختصر بالمناطق القبلية. وقد أدركت «القاعدة» خطره وهاجمه أيمن الظواهري باعتباره «عبد البيت» وميّزه عن الشخصيات المناضلة من السود كمالكوم أكس، لإيصال رسالة إلى المسلمين تقول «احذروه فهو ليس منا».