خلا المؤتمر الثالث عشر للحزب الشيوعي الروسي من أيّ مفاجآت. بدا تقليديّ المواقف، يبشّر بعودة اليسار، محاولاً توجيه الأزمة المالية ضد الكرملين
موسكو ــ حبيب فوعاني
عقد الحزب الشيوعي الروسي مؤتمره الثالث عشر في وسط موسكو خلال اليومين الماضيين، بحضور أكثر من ألف مندوب من الأقاليم الروسية و347 موفداً عن الأحزاب الشيوعية واليسارية، جاؤوا من 83 دولة.
وأعرب الأمين العام للحزب، غينادي زيوغانوف، عن شكره وتقديره لحضور وفد الصين، مؤكداً أن بكين تثبت «تفوّق الأفكار الاشتراكية على الرأسمالية المترهلة». وقدم تقريراً شاملاً، تناول الشؤون الحزبية والأوضاع الاجتماعية والاقتصادية والسياسية على الصعيدين الداخلي والدولي.
وانتقد زيوغانوف السياسة الخارجية الروسية، قائلاً إن «الكرملين يواصل على مدى السنوات الأخيرة المناورات المزدوجة في المسألة الإيرانية، ولم يتعدّ تطبيق مشروع الدولة الاتحادية بين روسيا وبيلاروسيا إطار الثرثرة»، فيما كان الكرملين «يصغي إلى مواعظ الاتحاد الأوروبي». وأوضح أن «دفة التاريخ، التي مالت إلى اليمين، تتجه الآن بحزم نحو اليسار»، مشيراً إلى أن «وول ستريت، قلب النظام الرأسمالي، هو مركز الأزمة العالمية».
وأشار الزعيم الشيوعي إلى أن «سياسيين واقتصاديين مختلفين يرفعون اليوم شعار: يا أوليغارشيي ومستغلّي العالم، اتّحدوا لإنقاذ الرأسمالية»، قائلاً «بات من المؤكد أكثر فأكثر أن الاشتراكية ليست نزوة منظّرين عقائديين».
ورأى زيوغانوف أن حلفاء روسيا الحقيقيين، إضافة إلى شعوب رابطة الدول المستقلة، هم «شعوب دول آسيا وأميركا اللاتينية وأفريقيا، كونهم يواجهون مشكلات مشابهة بالنسبة إلى العولمة، ويحتاجون إلى روسيا القوية وجبروتها». كما هاجم أوكرانيا بعنف، معتبراً أن «بقاء قيادتها الحالية يمثل خطراً مميتاً على روسيا».
أما داخلياً، فقد تركزت نقاشات مندوبي المؤتمر على برنامج «عشرون خطوة إلى الحياة الكريمة»، إذ رأى زيوغانوف أن الشيوعيين وضعوا خطة عمل للتخلص من آثار الأزمة المالية العالمية، قائلاً إن «الانفعالات والأمراض والإدمان على الكحول هي مؤشر على قلق الناس لغدهم».
وأشار زيوغانوف إلى أن «ثروات روسيا الطبيعية وقطاعات الاقتصاد الاستراتيجية، يجب أن تعاد ملكيّتها إلى المجتمع». وشدد على ضرورة «إعادة أموال صندوق الاستقرار (الموظفة في الولايات المتحدة وأوروبا) إلى روسيا، وتوجيهها إلى قطاع الاقتصاد الحقيقي».
وخلص زيوغانوف إلى القول «نحن لا ندعو إلى الوراء، إلى الاشتراكية السالفة، بل المضيّ قدماً إلى الأمام، إلى اشتراكية القرن الحادي والعشرين الآخذة بالاعتبار منجزات الاتحاد السوفياتي وتجربته السلبية»، مضيفاً في الوقت نفسه أن «الدمقرطة الاشتراكية ليست طريقنا».
وخلافاً للبرنامج السابق للحزب عام 1995، الذي لم يأت على ذكر الزعيم السوفياتي جوزف ستالين، دعا زيوغانوف إلى «إعادة اسم ستالينغراد التاريخي إلى مدينة الفولغا احتراماً لذكرى معركة ستالينغراد».
أما حزبياً، فردّ زعيم الحزب الشيوعي الروسي على دعوة الرئيس دميتري مدفيديف إلى تجديد القيادات الحزبية الروسية، قائلاً إنه «لن يختار خلفاً له في الوقت القريب لأن القادة الضعفاء هم الذين يختارون خلفاء لهم». وأعلن في الوقت نفسه «استعداده للعودة إلى الحكم، إذ إن سبب وجود أيّ حزب يحترم نفسه هو الصراع على الحكم».
ورأى زيوغانوف أن «الشيوعيين، الذين لا يتجاوز عمرهم 40 سنة، يجب أن يشغلوا نحو نصف المناصب القيادية في الأقاليم»، انطلاقاً من أن حزبه يعتبر «الوحيد القوي الذي يقوم بمعارضة شديدة للسلطة الحالية في البلاد».
إلى ذلك، أعلن رئيس المكتب الحقوقي للحزب، فاديم سولوفيوف، أن «مندوبي المؤتمر أقرّوا برنامج الحزب الجديد منذ عام 1994، رغم بعض التعديلات». وأضاف أن «اجتماعاً سرياً للمندوبين يمكن أن ينتخب نائباً ثالثاً شاباً لزيوغانوف، هو سكرتير الحزب للشؤون الإيديولوجية الأربعيني، دميتري نوفيكوف».
وانتخب المندوبون الهيئات القيادية الحزبية لمدة أربع سنوات، إضافة إلى اللجنة المركزية ورئيسها.
ويرى مراقبون أنه خلافاً لمؤتمر عام 2004 الاستثنائي، الذي خيّمت عليه مشكلة الانشقاق الحزبي الكبير ومحاولات تنحية زيوغانوف، يعتبر هذا المؤتمر خالياً من المفاجآت.
وينتقد الكثير من اليساريين الروس زيوغانوف، لتراجعه عن المفهوم الأممي للماركسية ـــ اللينينية، ودغدغته مشاعر التعصّب القومية الروسية، ومغازلته الكنيسة الأرثوذكسية. بيد أنهم يعوّلون على أن تداعيات الأزمة الاقتصادية العالمية، يمكن أن تعيد للحزب بعضاً من مواقعه الضائعة.