الملكيّون والعسكر يصارعون لاستعادة ما خسروه في صناديق الاقتراعمي الصايغ
تعيش بانكوك منذ قرابة ستة أشهر على وقع ثورة صفراء، افترش خلالها أنصار «التحالف الشعبي من أجل الديموقراطية» (باد) المُعارض ساحات المجمع الحكومي في العاصمة، وعطّلوا جلسات البرلمان، ووصل الأمر بهم إلى احتلال مطارَي المدينة، وسط مناخ يوحي بانهماك الجيش في الإعداد لانقلاب ما خلف الكواليس.
ثورة تمثّل جزءاً من حملة مستمرة لـ«باد» لإطاحة رئيس الوزراء سومتشاي وونغساوات، الذي تتهمه المعارضة بأنه ألعوبة بيد صهره رئيس الوزراء السابق ثاكسين شيناواترا المقيم في المنفى مذ أن أطيح في انقلاب عام 2006. ولهذه الغاية، أقسم المتظاهرون، الذين ارتدوا قمصاناً صفراء تجسّد ولاءهم للملك بوميبون ادولياديج، على النضال «حتى الموت» لتحقيق هدفهم.
حملة المعارضة ليست جديدة، وتعود أولى طلائعها إلى عام 2005، حين أطلق «التحالف الشعبي»، الذي يضم أشخاصاً موالين للجيش والعائلة المالكة وعناصر من الطبقة الوسطى، تحرّكاً لإطاحة ثاكسين. وبعد سقوط الأخير، عاد «التحالف» ليستأنف حملته في آب الماضي لإطاحة دميته، ساماك سوندرافيج، فجاءته إدانة المحكمة لساماك على خلفية تقاضيه مالاً لقاء تقديمه برنامج طهو تلفزيوني، على طبق من فضة. غير أن الاحتجاجات الأخيرة، تمثّل «المعركة الأخيرة» لـ «التحالف»، كما يقول زعيمه، سومساك كوسيسوك.
أمام هذا الواقع، حاول قائد الجيش، الجنرال انوبونغ باوجيندا، التدخل لعلّه ينزع فتيل الأزمة، فدعا رئيس الوزراء إلى حل البرلمان وإجراء انتخابات تشريعية مبكرة. غير أن دعوته قوبلت برفض الحكومة والمعارضة على السواء.
لغاية الآن، استطاع وونغساوات الصمود في وجه العاصفة. صمود لن يدوم طويلاً، مع اقتراب صدور حكم المحكمة الدستورية، المقرّر اليوم، في اتهامات لحزبه «سلطة الشعب» وحزبين آخرين ينضويان تحت الائتلاف الحاكم، في قضايا فساد، ولا سيما أن هناك معطيات تشير إلى إمكان أن تأمر المحكمة بحل الأحزاب الثلاثة. حلّ سيكون بمثابة الضربة القاضية للائتلاف الحاكم، إذ سيمنع قادته الثلاثة من مزاولة العمل السياسي، ما سيضطرهم إلى الاستقالة لكونهم وزراء في الحكومة الحالية.
وسبق أن أصدرت المحكمة الدستورية في أيار من عام 2007 قراراً بحل حزب رئيس الوزراء السابق ثاكسين «ثاي راك ثاي» على خلفية اتهامه بخرق القوانين الانتخابية، فمنع على زعمائه ممارسة العمل السياسي لـ5 سنوات. فتكاتفوا إلى جانب ساماك، الذي حصد غالبية المقاعد في الانتخابات التشريعية الأخيرة.
ومع تفاقم الأزمة السياسية، بدأت رائحة الانقلابات تنتشر، وهو ما حذّر منه ثاكسين من منفاه، مشيراً إلى أن أي خطوة من هذا القبيل ستؤدي إلى «أنهار من الدماء».
وفي ظل تفاقم الأوضاع، يبرز غياب الملك، الذي يمتلك صفة شبه إلهية، ولا سيما أن لديه نفوذاً سياسياً مكّنه مرات عدة من نزع فتيل الأزمات. على الأرجح أن وضعه الصحي قد أحدث فراغاً منعه من إطفاء أي فورة. فراغ سعت زوجته الملكة سيركيت إلى تعبئته، ولم تتردد في إبداء رأيها علانية، مظهرة تعاطفاً مع المتظاهرين عبر تقديم مساعدة مادية إلى كل من جرح في الاشتباكات مع الشرطة في آب الماضي، ومشاركتها في جنازة معارض قضى من الغاز المسيل للدموع. مشاركة رأى فيها «التحالف الشعبي» ضوءاً أخضر لنشاطاته.
وبناءً عليه، يتضح أن الأزمة السياسية التايلاندية تحمل في طياتها الكثير من التعقيد، لكون دوافع أطرافها يكتنفها الكثير من الغموض. ورأى رئيس مركز الدراسات الدولية والأمنية، تيتان بونغسودهيراك، أن «النزاع هو كفاح من أجل السيطرة في آخر سنوات الملك. كل ما في الأمر هاجس يتمثل بمن سيحكم تايلاند». وتحدثت صحيفة «الإكونوميست» عن هاجس يتحكم في النخبة الملكية، تجاه خطر هيمنة سلطة قائد شعبي من خارج النخبة في بانكوك.
هاجس سبق أن كشف عنه ساماك في تموز الماضي، حين تحدث عن سعي «تجمع الشعب من أجل الديموقراطية» إلى فرض نظام سياسي جديد يتضمن انتخاب 30 في المئة فقط من النواب وتعيين 70 في المئة، من منطلق رفضه لأي ديموقراطية شعبية تشجع «الفساد» و«شراء الأصوات» خلال الانتخابات.
فـ«باد» يصر على أن الحشود غير مثقفة، بطريقة كافية، لاختيار القادة الأكفاء ومقاومة شراء الأصوات. وهو يجهد لعودة الأمور إلى ما كانت عليه عام 1980، حين خنقت البيروقراطية الملكية والعسكرية أصوات الشعب. كما أنّ أحد مآخذ المعارضة على ولي العهد ماها فاجيرالونغكورن أنه كان يتودد إلى ثاكسين، الذي يتهمه خصومه بالعمل لقلب الملكية، وتنصيب الجمهورية على أنقاضها.
أمام هذا الانقسام، يبقى خطر الانقلاب، إن لم يكن عسكرياً صرفاً، قائماً. ومن المرجح أن بانكوك ستكون على موعد مع انقلاب ناعم قوامه العسكر والقضاة، قد يكون مشابهاً لما جرى في بنغلادش خلال العام الماضي، حيث فرضت حالة الطوارئ، وأعقبها تنصيب حكومة مدنية، بمساعدة القصر والعسكر.
لكن هل سيقف معسكر الفريق الحاكم، الذي يرفع أنصاره الرايات الحمراء، مكتوف الأيدي في وجه زحف المعسكر الأصفر، أم أنه سيحاول انتزاع القصر من الملكيين، وتحريك الشارع لإسقاط غريمه؟