قبل نحو أسبوع، أقرّ رئيس الوزراء التركي، أحمد داود أوغلو، للمرة الأولى، بأن هناك تحولاً في صورة تركيا عند الغرب، إذ أصبحت هذه الصورة سلبية بعدما كانت تركيا «نموذجاً» اقتصادياً وسياسياً ناجحاً بالنسبة إلى الغرب. منذ مدة، تحوّل الرئيس، رجب طيب أردوغان، بنظر الإعلام الغربي إلى «ديكتاتور»، يريد الإطباق على كل السلطات، بعدما كان يتصدّر الصحف الغربية كشخصية سياسية ناجحة.
تغيّرت مكانة تركيا في الإعلام الغربي، تبعاً لمستجدات عدة طرأت على الشرق الأوسط، كان لتركيا دور رئيسي فيها. غير أن داود أغلو، اختصر الأسباب الكامنة وراء هذا التحوّل بكون هذا الإعلام «يشوّه قصة نجاح تركيا بعدما اتخذ قراراً بالإجهاز على إنجازاتها بعد عام 2010». يعتقد داود أوغلو أن الإعلام الغربي أخذ موقفاً مناصراً لإسرائيل، بعدما دافع أردوغان عن الفلسطينيين أمام الرئيس الإسرائيلي السابق شمعون بيريز في مؤتمر دافوس عام 2009. وهو الرأي الرسمي لحزب «العدالة والتنمية» الحاكم ووسائل إعلامه التي تعتقد أنه منذ مجزرة أسطول الحرية في حزيران عام 2010، وظهور «تركيا أردوغان» كمدافعة عن المسلمين، وتصويتها ضد فرض عقوبات على إيران في مجلس الأمن، اتخذ الإعلام الغربي موقفاً معادياً منه.
تتهم أنقرة واشنطن بدعم الداعية فتح الله غولن
يتجاهل داود أوغلو، أنه بعد توترالعلاقات التركية ــ الإسرائيلية، توسط الرئيس الأميركي باراك أوباما بينهما ونزل رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو عند رغبة أوباما بعدما طلبت تركيا اعتذاراً رسمياً من إسرائيل وتعويضات لأهالي الضحايا. ويغفل «العدالة والتنمية» في تحليله مسائل يعتبرها الإعلام الغربي مهمة كتقييد حرية الصحافة والقمع الذي لاقاه المتظاهرون في أحداث حديقة غيزي عام 2013.
حتى الأمس القريب، كان الإعلام الغربي يسوّق لـ«الإسلام التركي» نموذجاً يمكن تعميمه على دول «الربيع العربي»، وخصوصاً بعد إمساك الأحزاب الإسلامية في تونس ومصر بالحكم. كما شجعت واشنطن تركيا في ذلك الوقت على المضيّ في هذا المشروع. لكن إثر تظاهرات غيزي واتهامات الفساد، صوّب حزب «العدالة والتنمية» سهامه باتجاه الولايات المتحدة، متهماً إياها بأنها تدعم الداعية فتح الله غولن الذي يهدف إلى إضعاف أردوغان وحزبه على أبواب الانتخابات البلدبة والرئاسية، في العام الماضي، بالإضافة إلى اتهام أنقرة جماعة غولن بالتغلغل في مفاصل الدولة تحضيراً لانقلاب.
كذلك، تزعزعت الثقة التركية بواشنطن بعدما تزامنت قضايا الفساد الداخلية مع نسج أوباما علاقات طبيعية مع «مصر السيسي»، مع العلم بأنها تعتبر أن ما حصل هو انقلاب تدعمه السعودية.
استمر الإعلام الغربي بالهجوم على أردوغان، لتزداد حدته مع صعود تنظيم «الدولة الإسلامية» (داعش)، حين اتهمه بدعم التنظيم في العراق وسوريا، ولا سيما بعد رفضه المشاركة في الدفاع عن مدينة عين العرب في سوريا (كوباني). حينها، ردّ أردوغان باتهام بعض الصحافيين الأجانب الذين يعملون في تركيا بالتجسس وطرد البعض منهم.
ترى دوائر القرار في واشنطن أن العلاقات مع تركيا آخذة في التدهور، وهي تؤكد رفضها إنشاء منطقة حظر جوي في سوريا. وقالت إنها كانت على ثقة بأن تركيا لن تفتح قواعدها ضد «داعش». وفيما تصطدم واشنطن مع أنقرة حول نقطة الأولويات في سوريا، حيث تصرّ أنقرة على رحيل الرئيس السوري بشار الأسد. وبينما تؤكد واشنطن أولوية مكافحة «داعش»، تعتقد الدوائر بأن الهجوم الذي وقع في 6 كانون الثاني الجاري في منطقة السلطان أحمد في اسطنبول، أي قبل الهجوم على مجلة «تشارلي إيبدو» الفرنسية، هو نتيجة تعاون الاستخبارات التركية والفرنسية ضد «داعش». لذلك، لا بد أن يغير هذا الهجوم الموقف التركي تجاه التنظيم، علماً بأن تركيا لم تعتبر التنظيم المتطرف تهديداً حقيقياً، بالرغم من تشديد نائب الرئيس الأميركي جو بايدن أثناء زيارته تركيا، قبل أشهر، على خطره.
من جهةٍ أخرى، لا تريد واشنطن فتح قضية الداعية غولن خلال زيارة وزير الداخلية التركي، ضمن اجتماع سيعقد في البيت الأبيض، في شباط المقبل، لوزراء الداخلية ضد الإرهاب، وخصوصاً أن الأتراك لم يتكلموا مع الأميركيين بهذه المسألة مباشرةً، منذ المحادثات في الأمم المتحدة في أيلول الماضي، رغم توجه وزير العدل، بكر بوزداغ، أول من أمس، إلى أميركا، داعياً إياها إلى تسليم غولن للسلطات التركية، بموجب مذكرة التوقيف الصادرة بحقه. إلى ذلك، تؤكد واشنطن أن قضية غولن المقيم في ولاية بنسلفانيا الأميركية لن تؤثر على العلاقات الثنائية بين الدولتين، مع العلم بأن تركيا تتهمها بالتآمر عليها مع الداعية الإسلامي. وتشدد واشنطن على أن الكرة اليوم في ملعب أردوغان، وبيده وحده إعادة العلاقات الثنائية الى مسارها.