تحسّب أمني من تحوّل التحرّكات المطلبيّة إلى حرب شوارعباريس ــ بسّام الطيارة
يدرك نيكولا ساركوزي بأن لبنة معارضة قوية تهدد مسيرة طروحاته لا يمكن أن تجبلها تصريحات سياسيّي «المعارضة الرسمية». إذ إن المعارضة، كما يقول أحد المقرّبين من الإليزيه، «تأتي دائماً متأخرة»، مع إشارة إلى فقدان المواطنين الثقة بأحزاب المعارضة. ويعرف ساركوزي أنه لن يحاسب على فشل قمة المناخ الأخيرة ولا زيادة التورط في وحول أفغانستان. لكنه يسرُّ لمقرّبين منه وجوب «مراقبة ثورة الطلبة»، إذ إنه يعرف أن الخطر لا يمكن أن يأتي «إلا من الشارع»، فيما ينظر الجميع إلى ما يحدث في شوارع أثينا. ويذكر مراقبون أن نقد الرئيس لثورة شباب أيار ١٩٦٨ كان عنيفاً، وأن من ضمن وعوده الانتخابية «الانتهاء من آثار أيار ٦٨». ويتفق المراقبون على أن «كل العناصر مجتمعة لثورة طلابية»، مشيرين إلى مماثلة بين حركة الطلاب اليونانيين عقب انقلاب الكولونيلات في نيسان ١٩٦٧، والتي يربط العديد بينها وبين ثورة الشباب التي انطلقت من فرنسا بعد أقل من عام لتقلب مفاهيم المجتمع الحديث.
والعناصر اللازمة لثورة شباب في أوروبا أكثر حدية من أي وقت مضى منذ عقدين، يضاف إليها الأزمة المالية العالمية، التي أتت «لتعاكس فلسفياً سلسلة إصلاحات ساركوزي» في ميادين التعليم والتربية. ويذكّر الجميع بإضرابات آذار الماضي، حين نزل آلاف الطلبة إلى الشوارع يطالبون بسحب مشاريع قوانين «تحديث التعليم العالي»، التي رأوا فيها محاولة «تخصيص التعليم الجامعي وانسحاب الدولة لمصلحة شركات كبرى» تموّل عمل الجامعات عبر تبرعات أو مشاريع مشتركة. ثم نزلت نقابات المعلمين يدعمها العديد من جمعيات أهالي الطلبة بعد إطلاق سلسلة إصلاحات لا بد أن تغيّر من وجه المجتمع الفرنسي عبر تغيير طابع برامجه التعليمية ونمط إدارته، عبر خفض مكثّف لعدد المعلمين.
كانت حجج الإجراءات «قبل انهيار النظام المالي العالمي» تنادي بحصر النفقات وخفض موازنات التعليم، التي تصل في فرنسا إلى ٤٠ في المئة من ميزانية الدولة، وهو ما كان مفخرة الفرنسيين. أقرّ ساركوزي سلسلة إجراءات وقوانين أنزلت النقابات إلى الشوارع، واليوم وصلت الإجراءات الإصلاحية إلى «لبّ البرامج ونسق التعليم» عموماً، ومنها إلغاء الثانوية العامة التقنية عبر المؤسسات المهنية ودمج أقسام الثانوية الثلاثة (العلمية والأدبية والاقتصادية) بشهادة واحدة تتميز فقط بخيارات الطلاب للمواد المتخصصة. وجاءت الحلول لإنقاذ المؤسسات المصرفية لتزيد من التباين بين «ضرورات خفض النفقات وإمكان إيجاد الأموال اللازمة»، ما أشار إلى أن سلسلة الإصلاحات تعود لأسباب إيديولوجية أكثر من أن تكون لأسباب اقتصادية هيكلية، وهو ما أجّج الطلبة ودفع بعدد من روابط الطلبة اليمينية، التي كانت تتردد في النزول إلى الشارع، إلى دعم الروابط اليسارية. ورغم أن فرنسا تستعد للدخول في فترة أعياد تعقبها مرحلة امتحانات الفصل الأول الدراسي، إلا أن «حماسة الطلبة» لم تخف وهو ما يرى فيه العديد من المراقبين علامة «زمجرة غاضبة للطلبة» بعيدة كل البعد عن «استعمال سياسي من قبل المعارضة»، يضاف إليها «التحمية الآتية مع أخبار طلبة أثينا»، ما يمكن أن يؤجج الحركة الطالبية وينقلها من التظاهرات المسالمة إلى حركات عصيان لا يمكن التنبؤ بنتائجها.
ويعرف ساركوزي أهمية الحركات الطالبية وتأثيرها على المواطن الفرنسي، ولا يمكن أن ينسى بأن خصمه دومينيك دوفيلبان خسر رصيده السياسي بخسارته معركة «أول عقد عمل» بسبب تصدي الطلبة. ويقول الاشتراكي، برونو جويلار، الذي تزعم حركة الطلبة في تلك الفترة، إن وزير الداخلية (ساركوزي في ذلك الحين) كان يتصل به ليشجّعه على المضي قدماً في حركته، حتى تم سحب القانون وتهاوت معه سلطة دوفيلبان.
وللمرة الأولى يعطي ساركوزي لوزرائه أوامر بالتراجع إعلامياً عن مشاريع قوانين إصلاحية، في وقت تنكبّ فيه إدارات الدولة الأمنية على محاولة استشفاف تأثير الخلايا اليسارية المتطرفة على الحركات الطالبية خوفاً من أن تنقلها من المطالب التربوية إلى حرب شوارع. وعلمت «الأخبار» من مصادر موثوقة أن تنسيقاً مكثفاً بين أجهزة الأمن الأوروبية حول «خطر الخلايا اليسارية المتطرفة» بدأ منذ سبعة أيام وتم إنشاء جهاز «مركزي لقيادة العمليات»، بعدما وصلت أخبار تفيد بأن مجموعات ألمانية وإيطالية تستعد للدخول في معركة نهاية السنة. وتتخوف الأجهزة الأمنية من «أن ينضم شباب الضواحي» إلى جوقة التمرد فيكون الاحتفال مرّاً على مجتمع الاستهلاك الذي يبتعد رويداً رويداً عن الاستهلاك، وعندها تصحّ نبوءة المرشحة الخاسرة سيغولين رويال، التي قالت إنه «بانتخاب ساركوزي سوف ينزل الناس إلى الشوارع».