باريس تخفّض من أهداف لقاء دول جوار أفغانستان: خلق ديناميّة لا خطّة عملباريس ــ بسّام الطيارة
تلجأ الدبلوماسية الفرنسية إلى قصر لا سيل سان كلو كلما وصلت أزمة دولية إلى أفق مسدود. هكذا كان الأمر عند استقلال المغرب أو خلال مفاوضات السلام الفيتنامية أو لحلحلة الملف اللبناني منذ سنة ونيف. وخلال عطلة نهاية الأسبوع، كانت أفغانستان ضيفة القصر البورجوازي في ضاحية باريس الغربية. وقد سيطر الغائبون، وهم نوعان، على أجواء الاجتماع وربما على نتائجه. النوع الأول هو الغائب الحاضر، ممثلاً بالولايات المتحدة التي وإن حضرت فهي تنتظر دخول الرئيس المنتخب باراك أوباما «لتتصرف»، وهو ما أعلنه صراحة برنار كوشنير في مؤتمره الصحافي عندما قال إن «جدول أعمالنا لا يأخذ بالحسبان فقط وصول أوباما إلى السلطة»، مشيراً إلى أن رئاسة فرنسا للاتحاد الأوروبي تنتهي الأسبوع المقبل، وأنه لم يكن بالمستطاع «انتظار استراتيجية أميركية جديدة». غير أنه استطرد بأنه من غير المتوقع «أن يشهد الوضع في أفغانستان تغيرات كبيرة» خلال هذه الفترة، مشيراً إلى أن مساعد وزيرة الخارجية الأميركي، ريتشارد باوتشر، «مثّل الولايات المتحدة خير تمثيل».
وأكد مصدر مقرب من كوشنير، لـ«الأخبار»، أن هدف الاجتماع هو «خلق دينامية سياسية إقليمية» أكثر منه إيجاد خطة عمل، وأن البحث تركز على إيجاد «فضاء للحوار بين مختلف الفرقاء الإقليمين».
أما الغائب الثاني، فكان بلا شك امتناع إيران عن المشاركة، وهو ما أجمع كثيرون على أنه كان ضربة للّقاء رغم تقليل مصادر دبلوماسية «من أهميته». وقال كوشنير «إن الغائب الوحيد» وزير الخارجية الإيراني منوشهر متكي قد «غيّر رأيه في الساعات الأخيرة». وأضاف «لا آسف، فليتحمل المسؤولية». وأردف «لقد عقدنا الاجتماع من دونه».
ورأى مراقبون أن انفعال كوشنير من هذا الغياب هو بسبب تسليط الأضواء على «الخلاف الإيراني ــ الفرنسي»، الذي لا بد أن ينعكس على صدقية ما يمكن أن يتوصل إليه المجتمعون.
وأكدت مصادر تابعت اللقاء، الذي عقد بعيداً عن الإعلام، والعشاء الذي أعقبه في الكي دورسيه، أن المجتمعين تطرقوا إلى «مختلف المواضيع الحساسة من دون أي محظورات أو محرمات». وكشفت أن الأهداف الأولى للمشاورات هي بحث المواضيع المرتبطة بـ«الإرهاب والفساد والمخدرات»، مشددةً على أنه «لا أمن ولا سلام ولا ازدهار في أفغانستان من دون أمن وازدهار المنطقة والعكس بالعكس».
ويأتي هذا التشديد على البعد الإقليمي بسبب حضور الهند وباكستان الاجتماع، حيث تركزت أضواء الإعلام على وزراء خارجيتيهما. وقد اعترف كوشنير بطريقة غير مباشرة بأهمية لقاء الوزيرين بتأكيده أن المباحثات كانت «صعبة»، في معرض حديثه عن اعتداءات مومباي، مذكراً بأن هذه التفجيرات الإرهابية «خيمت على أجواء المؤتمر».
وفي رد على سؤال لـ«الأخبار»، قال وزير الخارجية الباكستاني شاه محمود قرشي «إنّ الهند وباكستان تتعاونان تعاوناً مكثفاً لمحاربة الإرهاب»، مؤكداً أنه «تطبيقاً لقرار مجلس الأمن الدولي فقد جرى إغلاق مكاتب الدعوة ومصادرة أموالها». وشدّد على أن «باكستان وأفغانستان مثلهما مثل دول المنطقة تتعرضان للإرهاب». وقد التقط كوشنير الحديث ليؤكد أن الهند وباكستان «تتحدثان مع بعضهما بعضاً حتى في حالات التأزم».
بدوره، عبّر الوزير الأفغاني، دادفار سبانتا، عن «غبطته لرؤية موقف مشترك من الإرهاب لدى المجتمعين»، مشدداً على ضرورة إيجاد «استراتيجية شاملة ضد الإرهاب»، معيداً التذكير بأن «التعاون بين إسلام آباد وكابول وثيق». كما تناول الوساطة السعودية مع حركة «طالبان»، وأكد أنها «لم تصل إلى أي شيء جديّ في سبيل التوصل إلى حل».
ورغم أن «طالبان» كانت غائبة عن الاجتماع، إلا أنّ توسع سيطرتها على البلاد هيمن على أجوائه، في ظل تواتر خبر عن طلب قائد قوات حلف شمال الأطلسي في أفغانستان، الجنرال ديفيد ماكيرنان، إجراء مباحثات مع الدول المجاورة لهذا البلد بشأن السماح بنقل مزيد من الإمدادات عبر أراضيها إلى قواته، بعدما دمرت هجمات متشددي «طالبان» مئات الشاحنات من باكستان. وهو ما تجاهله الممثل الخاص للأمم المتحدة في أفغانستان، كاي ايدي، عندما أعلن «توافق» الدول المشاركة في الاجتماع على «العمل معاً بخصوص التنمية الاقتصادية التي تحتاج إليها المنطقة».
أما المفوضة الأوروبية للشؤون الخارجية، بينيتا فيريرو فالدنر، فأوضحت أن عدداً من المشاريع التنموية يجري العمل بشأنها لمصلحة أفغانستان. وأعلنت عن اجتماع لدول الجوار في بروكسل على مستوى الخبراء أواخر الشهر المقبل قبل اجتماع وزاري غير رسمي يعقد في إسلام آباد، مطلع السنة المقبلة.
وعلمت «الأخبار» أن العشاء، الذي أعقب لقاء سيل سان كلو، ضم إلى جانب المجتمعين ممثلين عن عدد من «الدول المؤثّرة»، منها إسبانيا وأوستراليا وهولندا واليابان والسعودية والإمارات ومصر، وأنه جرى وضعها في أجواء «تمرين التعاون الإقليمي» الذي بحث خلال اجتماعات الصباح.

(يو بي آي، رويترز)