إلى حدّ ما، تروي عملية رمي الحذاء حكاية العراق الجديد: عندما تحطم تمثال صدام عند بوابات بغداد، نزعت الحشود أحذيتها لتضرب الطاغية البغيض. بعد عام من تلك اللحظة، داسوا صور بوش والعلم الأميركي بأحذية نجسة ملوّثة
يديعوت أحرونوت ــ سمدار بيري
قبل دخولك إلى مقابلة مسؤول رفيع المستوى في العالم العربي بلحظات، يحذّرك المستشارون من الجلوس أمامهم بصورة مسترخية، ساقاً فوق ساق، لكي لا تكون مقدمة الحذاء موجهة نحو المضيف. لاحظوا: في كل الصور التي تبثّ لقاءات القادة، يبدو الزعيم وضيوفه وهم يتبادلون الابتسامات وينحنون لمصافحة اليدين أمام عدسات الكاميرا، والأرجل تكون منتظمة ومتلاصقة تماماً.
الحذاء هو خرقة حمراء. ويقول المستشارون يجب أن تأخذوا بالحسبان أن حذاء الزائر قد يكون داس أماكن ملوّثة، ومن الممكن أن يعلق الغبار والقاذورات عليه. ولذلك يحْذر من التلويح به أمام عيني الزعيم. كما أن أرجل الكلب تدوس أماكن غير معقّمة بطبيعة الحال، وهو يعتبر في العالم العربي حيواناً نجساً.
الحذاءان اللذان تطايرا في المؤتمر الصحافي في بغداد صوب الرئيس جورج بوش، حيث أرفق الصحافي القاذف بهما رشقته بصرخات «يا كلب»، أريد منهما أن يزيلا الأوهام: بعد خمس سنوات من سقوط صدام حسين، لا يزال هناك من يكره ويرتاب من نيّات الذين حلّوا محله. الحذاء الأول وُجّه صوب «جالوت» الأميركي الذي داس العراق بقدمه الغليظة مخلّفاً وراءه الدمار والهلاك. أما الحذاء الآخر، فقد أُطلق نحو بوش باسم عشرات آلاف اليتامى والأرامل وملايين الفارين للنجاة بأرواحهم.
عدا عن الفشل الأمني الذي سيتحدثون عنه في ما بعد، تلقّى بوش درساً شخصياً عن وجهي العراق. الأول يشير إلى أن تغيّراً قد طرأ على حياة أولئك الذي سارعوا إلى تقديم الاعتذار عن الحادث. رئيس الوزراء نوري المالكي لم يستشط غضباً، بل على العكس، المفاجأة رسمت الابتسامة على وجهه، مع أنه حرص على الظهور بصورة محايدة.
أما الوجه الثاني، فهو يتجلى في المشهد الذي عكسه الصحافي منتظر الزيدي، الذي خطط لتلك الهجمة بالأحذية، مذكّراً بوش بأن الملايين في العراق يرغبون في ألا يوجّه لهم أحد التعليمات من خلال جهاز تحكّم عن بعد، وألا يتدخل في حياتهم ويهيمن عليها.
عملية تقويم ومحاسبة سرية تكشّفت في واشنطن فور حادثة الحذاء، وتظهر منها معطيات مؤلمة عن تبدد الحلم الأميركي في العراق وتناثره في الهواء: أكثر من مئة مليار دولار أُهدرت على مشروع الإعمار والبناء الطموح. ولكن كل ما نجحت هذه المليارات في تحقيقه خلال السنوات الخمس، كان الوصول إلى الحالة التي كانت سائدة قبل الحرب (جزء كبير من هذه الأموال وجد طريقه إلى الجيوب الخاصة وإلى الشركات الوهمية).
ليس هناك انطلاقة ولا ثورة انقلابية. الأميركيون قصفوا ونثروا الوعود. مئات آلاف العائلات دُمّرت، والملايين يبحثون عن ملجأ في العالم الفسيح. بعد قليل، سيرحل الأميركيون وصدام ليس موجوداً، إلا أنّ العراق سيبقى مستباحاً أمام خطط الاجتياح الآتية من طهران.
هناك إنجاز واحد على الأقل نجح الأميركيون في تحقيقه. في عهد صدام، كان من يقوم بفعل مماثل لتصرّف الزيدي يموت برصاصة بين عينيه. الزيدي الذي تحوّل خلال ساعة إلى بطل الشارع العربي، قد يقضي عامين في السجن. فقط إذا تبيّن من التحقيق معه أنه ألقى الحذاء بتكليف من الاستخبارات الإيرانية، سيلقى عقوبة أصعب وأشدّ.
بوش مكروه في العراق مثل صدام تقريباً. ولكنّ الديموقراطية التي زرعها في العراق، والتي هي الإنجاز الوحيد للاحتلال ربما، مسألة يصعب انتزاعها من العراقيين حتى بالقوة.