ربى أبو عموفي عالم «لاقطبيّ» محاط برزمة نووية تحدّد في الغالب مسار الدول الكبرى، يعدّ النظر إلى روسيا كدولة رشيقة تحاول بناء تحالفات في محيطها الاستراتيجي والحيوي لتوسيع دائرة نفوذها استهتاراً بالتاريخ.
تاريخ شهدت صفحاته، لسنوات طوال، صمود امبراطورية الاتحاد السوفياتي، التي ورثتها روسيا ومنحتها «ثقلاً مقلقاً» بالنسبة للولايات المتحدة، رغم تغير واقع الأمور اليوم.
تقلب روسيا اليوم صفحات تاريخها، عائدة إلى الفترة التي تحالف فيها الاتحاد السوفياتي السابق مع بعض دول أميركا اللاتينية، وفق أيديولوجية اشتراكية في فترة الحرب الباردة. حينها مثلت كوبا العامل الأساسي لحتمية اندلاع حرب نووية، بعد نشرها صواريخ في البحر الكاريبي في عام 1962.
بعد انهيار الاتحاد السوفياتي في أوائل التسعينيات، فشل الرئيس بوريس يلتسن في الإبقاء على تحالفات الاتحاد السابقة، وخصوصاً مع دول أميركا اللاتينية. سببٌ كان كافياً لاهتمام الصحف الغربية بزيارة الرئيس الحالي ديمتري مدفيديف إلى البيرو وفنزويلا والبرازيل وكوبا خلال الشهر الماضي، في محاولته لإحياء اسم العائلة، إذا اعتبرنا أن الاتحاد السوفياتي يمثل عائلة روسيا الأكبر. ركزت الصحف الغربية بالإجمال على الربط بين مدفيديف وأزمة الكاريبي في كوبا، بينما كان البعض الآخر أكثر هدوءاً مع تبرير هذه الزيارة، وما تبعها من مناورات عسكرية مشتركة مع فنزويلا، باعتباره رداً على توسع حلف شمال الأطلسي شرقاً، إضافة إلى حرب جورجيا، حتى جاءت بعض عناوين صفحاتها على نحو «روسيا تعود إلى المحيط الغربي»، «موسكو تتحدى الغرب».
عناوين ربما استندت إلى تحميل المناورات العسكرية المشتركة في الكاريبي عمقاً أكبر من البحر نفسه. أما الرئيس الفنزويلي هوغو تشافيز فلا يتعدى دوره، بحسب الصحف، «إفهام واشنطن بعدم اللعب في حديقة روسيا الخلفية».
في واشنطن، رأى معظم الخبراء أنه يتوجب على الولايات المتحدة أن تبدي اهتماماً أكبر بالصفقات النووية والاقتصادية التي تبرمها روسيا في منطقة غنية بالنفط.
التحليلات الغربية قابلتها أخرى أكثر صلة بالداخل الروسي. إذ يشير أحد الخبراء إلى أن زيارة مدفيديف إلى أميركا اللاتينية، والإعلان عن المشاريع النووية والاقتصادية في هذه البقعة، وصولاً إلى جنوب آسيا (الهند)، ليست أكثر من «استعراض» في وجه الغرب، مضيفاً أنها لن تدخل حيز التنفيذ بسبب الأزمة الاقتصادية التي يواجهها العالم وروسيا أيضاً، في ظل انخفاض سعر برميل النفط إلى ما دون الـ50 دولاراً. هذا عدا غياب سياسة اقتصادية بديلة عن الاتكال على أسعار النفط.
وبين الرغبة والجدية الروسية في الانطلاق، وبين المعرقلات، يمكن القول إن الأزمة الاقتصادية في هذه المرحلة، هي السيف الحاد الذي لا شك سيربك روسيا، إلاّ أنه قد لا يوفر بالضرورة مقومات إضعافها أو تقاعسها عن إبرام اتفاقيات عسكرية واقتصادية مع غيرها من الدول.
على سبيل المثال، تمكنت إيران، توأم روسيا في الاعتماد على النفط، من الاستفادة من مواردها لعقد الصفقات الاقتصادية رغم الحصار الذي يفرضه عليها الغرب. إلاّ أنها، على غرار روسيا (بعيداً عن مدينتي موسكو وبطرسبرغ)، غرقت بالفقر. فمنذ عشر سنوات، ونسبة التضخم في إيران تتراوح ما بين 20 و25 في المئة. أما نسبة البطالة فتتجاوز الـ15 في المئة.
مؤقتاً، يكفي روسيا أن تكون العودة إلى أميركا اللاتينية مجرد «استعراض». يرضيها أن تواجه أزمة مالية أقل حدة من الولايات المتحدة. إلا أنها تدرك أن مد خطوط التحالفات الاستراتيجية مع الدول الغنية من حيث الموقع والموارد، هو موضوع الرهان.