الفصل العنصري نقطة تجمع جنوب أفريقيا وزيمبابوي. نقطة تجعل ارتباط البلدين عضويّاً وتشير إلى أهميّة دور بريتوريا في حل الأزمة في هراري، قبل انعكاسها عليها
كيب تاون ــ بسّام الطيارة
إلى جانب القوة الأدبية والاقتصاديّة التي تمتلكها جنوب أفريقيا، تفرض الجغرافيا نفسها على دبلوماسيتها، فتجد بريتوريا نفسها تحمل مسؤولية عدد من الملفات الحامية، وفي مقدمتها ملف زيمبابوي، التي تشهد أزمة غير مسبوقة منذ الهزيمة التاريخية لنظام رئيسها روبرت موغابي (٨٢ سنة) في الانتخابات العامة في آذار الماضي.
لا يستطيع أي سياسي في جنوب أفريقيا «ترك زيمبابوي» تغوص في أزمة، ولا السماح بتدخل أجنبي فيها مهما تكن الظروف، إذ إن تماثل «نظامي التفرقة اللذين كانا سائدين في البلدين» يجعل اللحمة بينهما تاريخية. يفسر هذا دعوة الرئيس الجنوب أفريقي، غاليما موتلانتي، إلى البدء بتطبيق الحل الذي توصلت إليه مجموعة التنمية لأفريقيا الجنوبية، مشيراً إلى أن أي تعثر «مخيب للآمال». وقال إن «على القادة السياسيين في زيمبابوي أن يثبتوا نضجاً سياسياً لمصلحة شعبهم».
ودعا الرئيس الجنوب أفريقي إلى تطبيق الاتفاق، الذي أدى إلى التعديل الدستوري الذي أسهمت بريتوريا في الدفع نحوه بقوة، والذي يجيز تنصيب زعيم المعارضة ورئيس «الحركة من أجل التغيير الديموقراطي»، مورغان تسفانجيراي، رئيساً للوزراء على أن يبقى موغابي رئيساً وأن توزع الحقائب على الفريقين لكن من دون الدخول في التفاصيل.
وتتعارض هذه اللهجة الحازمة، التي تبناها الرئيس الجديد لجنوب أفريقيا، مع تلك التي اعتمدها سلفه ثابو مبيكي، الذي كان قد بدأ الوساطة وحرص على عدم ممارسة ضغوط مباشرة على موغابي. ويؤكد أكثر من مصدر أن الأزمة السياسية الزيمبابوية بدأت تنعكس سلبياً على جنوب أفريقيا، التي «تستقبل يومياً أعداداً متزايدة من الهاربين من بلدهم، المنزلق أصلاً نحو أزمة اقتصادية وصحية لم يشهد لها مثيلاً في السابق. أزمة تتجلّى في نسبة بطالة تناهز ثمانين في المئة وفي تضخم بلغ معدلات خيالية، وفي انتشار وباء الكوليرا مثل النار في الهشيم.
وقد أعلنت مساعدة وزيرة الخارجية الأميركية للشؤون الأفريقية، جينداي فرايزر، قبل أيام خلال زيارتها لبريتوريا، أن «لا إمكان لتأليف حكومة وحدة وطنية في زيمبابوي مع الرئيس موغابي الذي يحكم البلاد منذ ٢٨ سنة». وقالت للصحافيين: «لقد فقدنا كل أمل برؤية حكومة وحدة وطنية مع وجود موغابي في الحكم» واتهمته بأنه «فقد كل حس وتواصل مع الواقع». ولوحت بسلاح المساعدات، مضيفة: «كنا مستعدين لاستخدام نفوذنا للتفاوض مع البنك الدولي وصندوق النقد الدولي لشطب ديون زيمبابوي البالغة ملياري ومئتي مليون دولار ولكننا لم نعد كذلك».
ورغم اتفاق الجميع على خطورة الأزمة، إلا أن هذا النوع من التصريحات «هو من النوع الذي يجب عدم إطلاقه» في دول مثل جنوب أفريقيا «الغيورة على كرامة الأفريقيين»، وهو ما يفسر سبب معارضة بريتوريا «أي تدخل أجنبي» تطالب به الدول الغربية، وفي مقدمتها الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا، حتى عندما يتحدى موغابي العالم وشعبه ويعلن أنه «لن يستقيل أبداً وأن زيمبابوي ملكه». تحدٍّ زاد عليه رئيس زيمبابوي برفض دعوات الاستقالة «الغبيّة» التي تصدر عن الولايات المتحدة وبريطانيا.
ولكن يرى البعض في حزم موتلانتي «تغيّراً طفيفاً» باتجاه الأخذ برأي الغرب بضرورة «التخلّي عن موغابي». إذ لا تستطيع أفريقيا الجنوبية الفشل في حل هذه الأزمة التي تقع في «حديقتها الخلفية»، وخصوصاً أنها تستعد للبدء في التفاوض في شباط المقبل للحصول على مقعد دائم في مجلس الأمن في الأمم المتحدة، ولا سيما أن بعض الأصوات بدأت تطالب بنقل ملف زيمبابوي إلى الأمم المتحدة إذا أخفقت الدول المجاورة بالوصول إلى حل.
كذلك لا تستطيع جنوب أفريقيا الإبقاء على مجموعة قرارات المقاطعة التي فرضتها لتخفيف حدة اندفاع الدول الغربية التي تريد فرض تدخل في زيمبابوي، ومنها حظر بذور الزراعة الضرورية في هذه المرحلة لتجنب مجاعة مع موسم الحصاد المقبل. إذ إن زيمبابوي التي كانت تعرف بـ«مخزن جنوب أفريقيا» قبل استقلالها عام ١٩٨٠ تعيش حالة ركود اقتصادي رهيب وشلل كامل للإنتاج وانقطاع الكبير في الموارد، وبدأ تدفق النازحين يثير كماً من المشاكل في المناطق الحدودية، ولا تستطيع بريتوريا فرض حظر على دخول الهاربين من المجاعة والكوليرا بسبب تاريخ مشترك خندق التفرقة العنصرية عندما كان اسم زيمبابوي «روديسيا» وكانت الطغمة البيضاء تحكمها بدعم من نظام جنوب أفريقيا الأبيض.