برلين ــ غسان أبو حمد«أنا برليني». لا شيء مثل هذه الصرخة التي أطلقها الرئيس الأميركي جون كينيدي وسط العاصمة الألمانية عام 1963 يؤكد ارتباط الشعب الألماني بالانتخابات الرئاسية الأميركية. يومها، وصل كينيدي إلى بوابة «براندنبورغ» التي تفصل المعسكرين الغربي والشرقي، وصرخ «أنا برليني» بلكنته الأميركية. صفّق له العالم الغربي بأسره، وخصوصاً سكان برلين الغربية المحاصرون في جزيرة مطوّقة بجدار.
لا بل لا شيء أيضاً يعادل ارتباط الشعب الألماني بالانتخابات الأميركية، مثل وقوف الرئيس الأميركي الأسبق رونالد ريغان أمام بوابة «براندنبورغ» في عام 1987، ومخاطبته الرئيس السوفياتي ميخائيل غورباتشوف بعنجهية، «يا سيد غورباتشوف، أسقط الجدار وافتح البوابة». هكذا تحوّلت برلين إلى رمز سياسي لكل رئيس أو مرشّح للرئاسة الأميركية.
يومها، في أوج الصراع بين «الشرق والغرب»، كانت حوادث «جدار برلين» تحمل في طيّاتها معاني «العمالة والخيانة أو حرية الحركة والاختيار». شعارات تبادلها «الشرقيون الاشتراكيون والغربيون الرأسماليون»، كل حسب قناعته العقائدية.
حالياً، وعلى أعتاب الخيار الرئاسي الأميركي، ورغم اختلاف الظروف السياسية وتنوّع المحاور والتحالفات الدولية، لا تزال «براندنبورغ» تمثّل في ذاكرة العالم، والناخبين الأميركيين تحديداً، بوابة العبور الرئيسية الواسعة إلى موقع الرئاسة الأميركية. فلا عجب أن يقصدها باكراً المرشّح الديموقراطي للرئاسة الأميركية، باراك أوباما، لالتقاط الصور «الرئاسية» التذكارية، مستعيداً صورة سلفه الديموقراطي كينيدي.
هكذا، ولأن الحزبين الجمهوري والديموقراطي ينعكسان بنماذج مماثلة على الساحة الألمانية، وخوفاً من أن تؤدي خطبة أوباما أمام بوابة براندنبورغ إلى مكاسب يستفيد منها الحزب الاشتراكي الديموقراطي الألماني الذي ينتمي إليه وزير الخارجية الألماني فرانك فالتر شتاينماير، توجّست المستشارة أنجيلا ميركل من استغلال «رمز الوحدة» في دعاية أوباما الانتخابية، فيما أيّد شتاينماير الزيارة واعتبرها تعبيراً عن الصداقة المتينة بين البلدين.
في علم السياسة وإدارة الحملات الانتخابية، يقولون إن «توجّه الديموقراطي الأسمر إلى براندنبورغ هو خطوة ناجحة وذكية جداً، دعمها تدشين المستشار الإعلامي الناجح في مكتب أوباما، دايفيد أكسلرود، مدرسة جديدة في علوم الاستشارة الإعلامية والسياسية».
قبل يومين من موعد الاقتراع، إلى جانب مَنْ مِنَ المرشحين للرئاسة الأميركية يقف الناخب الألماني؟ معظم استطلاعات الرأي أشارت إلى أن ثلاثة أرباع الناخبين الألمان (نسبة تفوق بقليل سبعين في المئة)، يؤيّدون أوباما.
هذا بالنسبة إلى الموقف الشعبي العام. أما الموقف الرسمي الحكومي الذي يتجلّى من خلال البيانات والتصريحات الرسمية، فهو «تأكيد الرغبة في استمرار التعاون بين ألمانيا والولايات المتحدة، بغض النظر عن شكل الإدارة الجديدة والرئيس الجديد». وفي هذا السياق، يشير الخبراء إلى حال الفتور الذي كان قد اعترى العلاقات بين الجانبين عقب رفض ألمانيا القاطع المشاركة في حرب العراق، والذي نجحت ميركل أخيراً في تجاوزه وإعادة العلاقات إلى طبيعتها.
إلى ذلك، وفي مقدمة الحسابات الألمانية تجاه هذه الانتخابات، سعي دائم لكسب تأييد الإدارة الجديدة بهدف حصول ألمانيا على مقعد دائم في مجلس الأمن الدولي، انطلاقاً من دورها كمحرك للاقتصاد الأوروبي، ودعماً لرغبة ألمانيا في تولّي مسؤوليات دولية تتماشى مع وضعها القيادي في أوروبا.
هذه الرغبة الألمانية، الرسمية والشعبية، قوبلت حتى الآن بتحفّظ من جانب واشنطن، إلّا أن أوباما يبدو الأقرب إلى تحقيقها.