يتجه الأميركيون اليوم إلى صناديق لاقتراع لاختيار خلفاً لجورج بوش في البيت الأبيض، في انتخابات تتجاوز تأثيراتها الداخل الأميركي، لتبلغ مختلف بقاع الأرض، وخاصة منطقة الشرق الأوسط. معهد «بروكينغز» سعى في تقرير له صدر قبل أيام إلى استبيان أوجه الشبه والاختلاف بين باراك أوباما الذي يعرض «الأمل»، وبين جون ماكاين الذي يعد بـ«المجد»، في ما يتعلق بالسياسة الخارجية لكل منهما، في ما يلي أبرز ما ورد فيه
شهيرة سلوم

تلقى الانتخابات الأميركية أهمية خاصة هذا العام ليس فقط في الولايات المتحدة بل في كل أرجاء العالم، وخاصة بالنسبة إلى السياسة الخارجية؛ فكيف وأين يختلف أو يتفق المرشحان جون ماكاين وباراك أوباما في هذا الشأن؟
طبيعة كل من المرشحين ستنعكس على تقويميهما للسياسة الخارجية؛ أوباما البراغماتي التصالحي الهادئ الحذر، طفل العولمة الذي يسعى إلى حلول عالمية للمشاكل الدولية. انتخابه سيجعل على ما يبدو من مسألة تحسين صورة أميركا في الخارج أفضل. أما ماكاين المتشدد، فهو متعلق أكثر بانتشار القيم الأميركية في العالم. مغامر ومتسرع في قراراته. يُرجّح أن ترتفع المخاطر الخارجية في حال انتخابه.
في انتخابات 2000، اتفق المراقبون على أن المرشحين آل غور وجورج بوش الابن لا يختلفان كثيراً في ما يتعلق بالسياسة الخارجية، ولكن في ما بعد، اتسعت الفجوة. خلال انتخابات 2004، ظهر التباين في وجهات النظر إلى العالم، لكن سياسة بوش اتجهت نحو الاعتدال في ولايته الثانية معتمداً على سياسة خارجية تقليدية معتدلة تستند إلى التعددية أكثر من الأحادية التي اعتمدها في ولايته الأولى، وهو ما كان جون كيري اتجه إليه لو فاز في الانتخابات.
ماذا عن انتخابات الموسم الحالي؟ يبدو أن أوباما وماكاين يختلفان في السياسة الخارجية؛ في ما يتعلق بالأهداف، يبدو أن الفلسفة المثالية تتملك ماكاين، كما أن أوباما لن يحكم بواقعية كلاسيكية أيضاً.
وفي الوسائل، لن يكون ماكاين أحادياً صارماً، وإن بدا متمسكاً بمركزية القرار ومتشدداً أكثر من منافسه. أوباما يَعد بالأمل، وماكاين بالمجد. وفي المزاج، يبدو أوباما رزيناً فيما لا يمكن التنبؤ بتصرفات منافسه. بعد الانتخابات، لن يستطيع أي مرشح ملاقاة التوقعات العالمية، لكن أوباما أكثر قرباً منها. سحره وتصميمه وذكاؤه العالي لا يوازيها سوى جون كينيدي. حس المغامرة لدى ماكاين وتوجهه نحو القوة يجعلانه أكثر شبهاً بروف ريدير وتيدي روزفلت.
في المخاطر، مع رئاسة أوباما قد يفسر أعداؤه عقلانيته بأنها ضعف، والتوقعات العالية التي ينتظرها الأميركيون والعالم منه قد لا تتحقق. أما مخاطر رئاسة ماكاين، فتتركز على المخاوف من ألا تتعلم إدارته من الدروس التي استقتها إدارة بوش الثانية من ولايته الأولى.
ماكاين بطل الحرب المكروه من جمهوريي الكابيتول هيل. خبرة الأمن القومي لديه تعطيه الأفضلية على أوباما. ولكن إذا ما أخذنا ما تفتقده سارة بالين وما يمتلكه جوزف بايدن في هذا الإطار، تصبح موازين القوى إذا أخذت من هذه الزاوية متعادلة.
أما أوباما، فهو ذاك الوافد الجديد الموهوب من خارج العائلات التقليدية التي حكمت الحزب الديموقراطي لأكثر من عقدين. الأفريقي الأميركي الذي تغلّب، رغم التكهنات، على النظرية التي تقول إن الأميركيين ما كانوا ليصوّتوا لأسود.

التشابه والاختلاف

ماكاين فلسفي مثالي، لكن لديه بعض أوجه الواقعية. كذلك الأمر بالنسبة إلى أوباما، فهو واقعي تعددي لكن ذلك لا يخفي تعلقه بالقيم والمثل الأميركية.
في انتخابات 2000 بين آل غور وجورج بوش، كان هامش الفروق في السياسة الخارجية ضئيلاً. آل غور كان ينوي السير على خطى بيل كلينتون باعتماد استراتيجية عالمية وسطية. في المقابل، سعى الفريق الجمهوري إلى تخفيف التوقعات بأن يستخدم بوش استراتيجية استعراض العضلات. حتى إن بوش نفسه وعد باستراتيجية متواضعة.
لكن ما إن وطئت قدما بوش البيت الأبيض حتى بدأ يقذف الرمال في وجوه الأصدقاء الأوروبيين، ويمزق كل اتفاق تعددي وصل إلى يديه، إلى أن اعتمد سياسة أحادية ما كان يمكن توقع أن يعتمدها آل غور.
وبعد هجمات 11 أيلول، لم يكتف بوش باجتياح أفغانستان، بل تابع زحفه حتى بغداد، فهل كان آل غور ليجتاح بغداد؟ رغم أن التاريخ يحمل كل التوقعات، لكن حرب العراق كانت حرب اختيار، وما كان آل غور ليفعلها.
في انتخابات 2004، كتب دايفيد بروك في «نيويورك تايمز» أن «هذه الانتخابات ليست نزاعاً بين رجلين، بل بين رؤيتين مختلفتين». وتوقع المعلقون الديموقراطيين أن تكون ولاية بوش الثانية شبيهة بالأولى بل أسوأ، لأن وزير الخارجية كولن باول لن يكون في الإدارة كي يكبح جماحها، ولأن المحافظين الجدد حول بوش سينتشون في انتصارهم بالانتخابات، وسيرون فيه «تبريراً لسياساتهم وعلى رجل الساعة أن يستمر». أما الجمهوريون، فقد توقعوا أن يعتمد جون كيري الأسلوب الأوروبي التعدّدي الذي يحبه، وقدم رئيس مجلس النواب حينها توم ديلاي خطابه بالقول «صباح الخير سيداتي سادتي، أو كما يمكن أن يقول جون كيري: بونجور».
لكن في الواقع، الاختلاف كان أقل من المتوقع. في منتصف 2004، بات الفشل الأوّلي في العراق يطغى على الأفكار والسياسة الخارجية الأميركية، وكانت واشنطن قد بدأت تتجه نحو سياسة دولية تعددية من أجل معالجة مشاكلها مع دولتي محور الشر الباقيتين، إيران وكوريا الشمالية.
التوجه البراغماتي تسارع بعد إعادة انتخاب بوش، والدبلوماسية شقت طريقها إلى الإدارة التي اعتمدت سياسة خارجية مستقيمة وعادلة، تستند إلى التعددية في حل مشاكلها الخارجية، بما يشبه بشكل كبير ما كانت ستكون عليه سياسة جون كيري.

ماذا عن مرشحي اليوم؟

أيا يكن الفائز في انتخابات اليوم، يُرجح أن يتقلص عدد الجنود في العراق ويرتفع في أفغانستان. التحالفات التقليدية لأميركا ستترسخ. غوانتانامو سيقفل. وسيجري التعامل مع الاحتباس الحراري بانفتاح. إرث جورج بوش ـ القوة العسكرية في الخارج (180 ألف في العراق وأفغانستان وحدهما)، ثبات الخصوم، رفض الأحادية، جدية الأزمة المالية، حالة الرأي العام والكونغرس _ ستقيد خيارات الرئيس المقبل، ما يعني أن الاستراتيجية الدولية للولايات المتحدة لن تنقلب مع صدور نتائج الاقتراع.
لكنّ كلاً من المرشحين سيختار بطريقة مختلفة من لائحة بوش. كل منهما يحمل نظرة مختلفة لدور أميركا للعالم، والاختلاف في ما بينهما أوضح من توافقهما في المسائل الخارجية، أكان من ناحية الوسائل أو الأهداف أو المزاج أو السياسات أو التجاوب العالمي معه، وذلك رغم أن الاختلاف تقلص مع تراجع اهتمام الناخب بمسائل خارجية حيوية كالعراق جراء الأزمة الاقتصادية.

في الأهداف

كلاهما يعتقد أن أميركا يجب أن تعتمد سياسة تخدم مصالحها وقيمها، لكنهما سيعتمدان ميزاناً مختلفاً بين القيم والمصالح، كما أن قيم كل منهما ليست متشابهة.
بالنسبة إلى ماكاين، من المؤكد أن لديه نظرة تعددية للعالم. من جهة، هو واع لأهمية المنافسة والتوازن الدولييين من خلفية واقعية. لقد عارض عام 1983 إدارة رونالد ريغان لزيادة عديد القوات في لبنان، ودعم إعادة العلاقات الطبيعية مع فيتنام رغم أنه كان أسير حرب. برزت واقعيته هذه خلال المناظرة الرئاسية الثانية، حين قال إن «استخدام القوة يجب أن يكون حسب قدرتنا على التأثير في الوضع، وتتطلب شخصاً يفهم حدود قدراتنا».
لكن في المقابل، كانت هناك دوماً بذور من المثالية في تركيبة ماكاين، برزت أكثر خلال التسعينات، بعد انتصارات واشنطن في الحرب الباردة وحرب الخليج ثم البلقان. بات مرتبطاً بانتشار القيم الأميركية وأكثر اقتناعاً بالصلة بين القوة والحرية. عام 1999، جادل أنه على الولايات المتحدة «استخدام تفوقها في العالم من أجل مصالح الانسانية». في خطاب له أمام «لوس أنجليس ورلد أفيرز كاونسيل»، قال ماكاين إن «قوتنا العظمى لا تعني أنه يمكننا أن نفعل ما نريد متى نريد»، ثم دعا إلى طرد روسيا من مجموعة الثماني، وإلى «مواطنة عالمية جيدة» ثم طالب بتحجيم الأمم المتحدة عبر إنشاء «عصبة الديموقراطيات».
أما أوباما، فيقدم نفسه على أنه براغماتي. في كتابه «زا أوداسيتي أوف هوب»، عرض أفكاراً عقلانية ومتزنة أكثر منها آمالاً وتهيؤات. فهو مثلاً يدعم توجه بوش لترسيخ الحرية العالمية، إلا أنه يعود ويقف ضدّ فرضها في الخارج، ويقترح أن «الناس في الخارج قل ما تهمهم فكرة الانتخابات. يسعون أكثر خلف العناصر الأساسية التي تحدد العيش الكريم، والقدرة على المضي في الحياة من دون فساد وعنف وسلطة تعسفية». وعلى عكس بوش وماكاين، أوباما لا يهتم بدور الشر والخير في الحياة البشرية. وقد ظهرت براغماتيته في خطابه عام 2002 بشأن العراق، حينها قال «لا أعارض كل الحروب، ولكنني أعارض الحرب الغبية، المتسرّعة، غير المبنية على المنطق بل على الشغف، كما أنني أرى أن صدام حسين لا يمثّل تهديداً حيوياً ومباشراً للولايات المتحدة، أو لجيرانه ... يمكن احتواؤه حتى يسقط في مزبلة التاريخ كما باقي الديكتاتوريين. أعلم أنه حتى حرب ناجحة في العراق ستتطلب احتلالاً أميركياً لأجل غير محدد، وكلفة غير محددة، وعواقب غير محددة».
هذا لا يعني أن أوباما سيحكم كواقعي. سبق أن ادعى أنه يفضل «السياسة الخارجية الواقعية» على «الإيديولوجيا»، معتمداً على «رؤية واضحة لكيفية سير العالم» وعلى «دبلوماسية واقعية، عقلانية وصارمة»، ومحاكاة ليس فقط السياسة الخارجية للديموقراطيين التقليديين شأن فرانكلين روزفلت وهاري ترومان وجون كينيدي، بل أيضاً جيمس بيكر وجورج بوش الأب. وصفه فريد زكريا ذات مرة بأنه «محافظ بارد» فيما ماكاين «مثالي غزير».
لكن كي تكون واقعياً، عليك أن تضع الثلج في عروقك، ولا يبدو واضحاً أن أوباما كذلك. فإدارة أوباما الديموقراطية ستتأثر بالقيم الديموقراطية كالالتزام بحماية حقوق الإنسان، وجماعات الضغط الحقوقية داخل الكونغرس.

... والوسائل

السياسة الخارجية لدى ماكاين أكثر ميلاً للأحادية، يعتبر الدولة الفاعل الوحيد على الساحة العالمية. يستند إلى القوة أكثر من منافسه الديموقراطي. ومع ذلك، يعترف ماكاين بأن مواجهة التهديدات مع الحلفاء أفضل من المواجهة الأحادية.
في المقابل، يحتفظ أوباما، رغم توجهه التعددي، بخيار التصرف بصورة أحادية إن استدعى الأمر ذلك. قال ذات مرة إن «أمننا المباشر لا يمكن أن يوضع رهينة تحت رغبة توافق دولي». لكن في المجمل، فإن طريقة أوباما في التعاطي مع الملفات الخارجية أكثر ميلاً نحو التعددية من خصمه. هذا لا يعني أنه من مؤيدي العمل دائماً تحت جناح الأمم المتحدة، ولكنه يعتقد أن المنظمة الدولية يمكن أن تكون أقوى عندما تعمل مع وعبر مؤسسات وحلفاء من أجل أن تعكس القوة الأميركية. وكتب أوباما «لا أحد أكثر منا يستفيد من تطبيق القوانين الدولية. لا يمكننا أن نضمن تطبيق هذه القوانين، اذا تصرفنا وكأنها تطبق على الجميع ما عدانا، فعندما تحد القوة الأكبر في العالم من قوتها برضاها وتلتزم بقواعد السلوك التي جرى التوافق عليها دولياً، تبعث برسالة تقول إن هذه قواعد تستحق الالتزام بها».
من الصعب تصور أن كلمات كهذه يمكن أن تصدر عن ماكاين أو أن يعترف الأخير بالوصف الذي يطلقه أوباما على بوش: «نجول العالم من بريطانيا إلى توغو ونفعل في النهاية ما يرضينا».
وفي مقابل تركيز ماكاين على الدولة باعتبارها الفاعل الأساسي في العلاقات الدولية، يعطي أوباما أهمية قصوى للفاعلين من غير الدول، وللتهديدات غير التقليدية. وفي هذا الفارق أيضاً، توجهات المرشحين ليست صارمة، فأوباما يؤمن بضرورة تنظيم العلاقات بين الدول، كما أن ماكاين يولي أهمية شديدة لتهديد الإرهاب الجهادي ويصفه بأنه «أشد خطر في عصرنا الراهن»، فيما يراه أوباما بأنه أحد «التهديدات المتوحشة التي نواجهها».
ولكن في المجمل، فريق ماكاين ينظر إلى النظام العالمي على أنه علاقات بين دول، فيما ينظر فريق أوباما إليه من خلال عدسات العولمة فيرى تهديدات عبر وطنية بحاجة إلى حلول مندمجة ومنسقة.
ويرى أوباما أن التحديات الدولية كالاحتباس الحراري والانتشار النووي بحاجة إلى تعاون دولي من أجل مواجهتها. وحين سُئل عن روسيا دعا إلى الحوار معها، وقال عنها «ليست عدونا وليست حليفنا أيضاً». وعارض دعوة ماكاين إلى طردها من مجموعة الثماني. وفي نزاعها مع جورجيا اتخذ موقفاً محايداً رغم أنه عاد وشدد لهجته تجاهها.
وفي تموز 2007، أعرب أوباما عن استعداده للحوار مع زعماء دول مثل ايران وسوريا وفنزويلا وكوريا الشمالية، مع أنه عاد وصوّب خطابه عبر القول إن اللقاء سيكون «بعد تحضير الأرضية المناسبة» وفي «الزمان والمكان اللذين أختارهما».
على عكسه، يتفق ماكاين مع استراتيجية بوش في هذا الإطار، ويرى أن الحوار مع «الإرهابيين والأصوليين» أشبه بالمهادنة، رغم أن نظريته ضربتها إدارة بوش نفسها حين قررت إرسال وليام بيرنز للمشاركة في المحادثات مع سعيد جليلي في جنيف في تموز الماضي، وأيضاً من خلال دعوة خمسة وزراء خارجية سابقين، بينهم كولن باول وهنري كيسينجر وجيمس بيكر، إلى حوار مباشرة مع طهران.
وفي ما يتعلق بكوريا الشمالية، يؤيد كلا الرجلين التفاوض السداسي معها لكن نظراً لتاريخ ماكاين المتشدّد، قد لا يكون صبوراً مع بيونغ بيانغ.
ويدعو ماكاين أيضاً إلى التشدّد أكثر مع موسكو. وفي ردّ على قول بوش عن فلاديمير بوتين إنه «عندما نظرت إلى عينيه لمست روحه»، قال ماكاين «عندما نظرت إلى عينيه وجدت ثلاثة أحرف: كي جي بي».
وأعطى بوتين مبرراً أكثر لتوجه ماكاين من خلال النزاع الروسي الجورجي. شعور الحرب الباردة الذي أضفاه النزاع عزز من رؤية ماكاين الذي اغتنم الفرصة كي يقول لميخائيل ساكاشفيلي «كلنا جورجيون»، مقارنة بما قالته «لوموند» بعد هجمات 11 أيلول «كلنا أميركيون».
وبالنسبة إلى الصين، يبدو الاختلاف أيضاً ظاهراً بين المتنافسين، رغم أن كليهما يؤيد «عقيدة سبايدر مان» في التعاطي مع العملاق الصيني، التي تقول إنه مع قوة الصين العظمى تتشعب مسؤوليات كبرى. واذا كان ماكاين أكثر تشدّداً مع بكين في ما يتعلق بحقوق الانسان والبناء العسكري، فإن أوباما وجه نظره مباشرة نحو المسائل الاقتصادية. يتفقان على ضرورة اعتماد استراتيجية تجمع بين الالتزام والتوازن. لكن قلة ثقة ماكاين بالأنظمة غير الديموقراطية واهتمامه بتوزيع القوى الإقليمية في شرق آسيا قد يضعان حدوداً لمدى الارتباط مع الصين، على عكس أوباما.
أوجه الشبه تظهر أكثر بين المرشحين في ما يتعلق بإدارة القوات العسكرية الأميركية. كلاهما يريد زيادتها وإن بأعداد مختلفة، وتحسين خدمتها وقدرتها. ولكن الاختلاف يكمن في أن ماكاين قد يجنح نحو توظيف القوة العسكرية في السياسة الخارجية أكثر من أوباما، رغم أن الأخير قال إنه «لن يتردد في استخدام القوة من أجل حماية المصالح الأميركية عندما يكون التهديد وشيكاً». الاختلاف يكمن في «موقع القوة» في السياسة الخارجية.
في تعليقات له بشأن العراق، قال أوباما «لا أريد فقط أن أنهي الحرب في العراق، بل أريد أن أنهي العقلية التي جرتنا إلى تلك الحرب في البداية». رسالة واضحة تدعو إلى ابتعاد مركز الجاذبية في السياسة الخارجية عن القوة، والاستعاضة عنها بالدبلوماسية.
في المقلب الآخر، يبدو أوباما غير مسالم بالمطلق في ما يتعلق باستخدام القوة العسكرية لملاحقة عناصر تنظيم «القاعدة» في باكستان، حتى من دون استئذان إسلام آباد.
ويعتقد البعض أن ادارة أوباما ستولي مسألة حماية المدنيين أهمية خاصة، والعديدون حول الرئيس العتيد يجنحون نحو ما يسمى «التدخل الإنساني» مثل سوزان رايس وتوني لايك اللذين جادلا عام 2006 في تدخل انساني حتى من دون استصدار قرار أممي من أجل وقف الإبادة الجماعي في دارفور. وقال أوباما إن حصول الإبادة الجماعية هو «وصمة عار في أرواحنا»؟ وفي مناظرته الثانية قال «اذا تكاسلنا، فهذا سيحجمنا».
وأخيراً، في ما يتعلق بالحرب الوقائية كالتي شُنّت ضدّ العراق (استخدام القوة العسكرية الأُحادية ضدّ تهديد لم يصبح وشيكاً بعد)، فإن ماكاين دافع عن غزو بلاد الرافدين استناداً إلى هذه النظرية، وتعليقاته عن التهديد النووي الإيراني تصبُّ في الاتجاه نفسه.
أما أوباما، فيرسم خطاً عريضاً بين ما يسمى «عملاً عسكرياً أُحادياً من أجل القضاء على تهديد وشيك على الأمن الوطني»، وبين «استخدام القوة ضدّ تهديد لم يتبلور بعد» وحيث يعوّل على العمل الجماعي.

... والمزاج

أوباما منضبط، يدرس خياراته، ونشيط. يصفونه بحلّال المشاكل. نادراً ما يتسرّع في حكمه، هادئ. بعيد عن الدراما. عُرف عنه بأنه مستمع وتصالحي. عليه أن يحرص على ألا يجري التعامل مع عقلانيته على أنها ضعف.
أما ماكاين، فهو حدسي، ومندفع، وغير متوقع. يملك مزاجاً حاداً، يجنح نحو المخاطرة، وينحني باتجاه الخيارات الغامضة في معظم الأحيان. وصف عملية اتخاذ القرار لديه في أحد كتبه قائلاً «أتخذها (القرارات) بأسرع ما يمكنني، أسرع من سابقاتها، إذا استطعت. وإذا ما أخطأت، أعيش مع العواقب من دون تذمر».
عندما وجد نفسه يخسر المعركة أمام منافسه، اختار مرشحة غير معروفة لمنصب نائب رئيس. في أيلول، علّق حملته من أجل الأزمة المالية. لديه تاريخ يشهد على شجاعته وتصميمه. صفات في شخصيته يمكن أن تكون مفيدة في السياسة الخارجية لكنها قد تكون مؤذية، إذا دفعه غضبه إلى رد فعل سريع حيال عمل غير متوقع في الداخل، كهجوم مثلاً.

توقعات العالم

في استطلاع لـ«شيكاغو كاونسيل أون غلوبال أفيرز»، رأى 83 في المئة من المستطلَعين أن تحسين صورة أميركا في العالم أمر شديد الأهمية. لقد أسفرت السياسات البوشية عن انهيار هذه الصورة، ولا سيما بعد اجتياح العراق.
بعد انتخابات 2004، عنونت «دايلي ميرور» كيف يمكن 59،054،087 شخصاً أن يكونوا بهذه الغباوة؟ في إشارة إلى الناخبين الذين أعادوا انتخاب بوش لولاية ثانية، وكان الجرح الذي خلّفته الإدارة البوشية عميقاً في العالم لدرجة أنهم لم يلحظوا تغير توجهاته السياسية في ولايته الثانية من الأحادية إلى التعددية. لذلك، فإن الشعوب والحكومات العالمية تواقة للتغيير في سلوك واشنطن.
من المؤكد أن صورة واشنطن ستبدو أكثر حيوية مع الرئيس المقبل، فإن كان ماكاين، شخصيته ومبادئه وتاريخه الحافل بمعارضته لأبو غريب وأساليب التعذيب التي تعتمدها الـ«سي أي إيه» في موقف جيد، رغم أن الكثيرين يعتقدون أن ماكاين سيقدم ولاية ثالثة من حكم بوش _ تشيني.
ورغم أن أياً من المرشحين لن يستطيع أن يلاقي تلك التوقعات، يبدو واضحاً أن أوباما سيكون الأفضل لتحقيقها، بحكم شخصيته وتاريخه وتركيبته والتأثير الجيوبوليتيكي على شخصيته. قال ذات مرة «إذا أخبرت الناس، أن لدينا رئيساً في البيت الأبيض لديه جدة ما زالت تعيش بين القش في بحيرة فكتوريا، ولديه شقيقة نصف إندونيسية متزوجة كندياً صينياً، فسيفكرون عندها في أن لديه حساً أفضل من أجل معرفة الأفضل لحياتنا وبلدنا». لكن يبقى أن الآمال الكبرى المعقودة على إدارة أوباما قد لا يستطيع تحقيقها.

مواقف في السياسة

في العراق، كلاهما يدعي أنه يمتلك السياسة الحكيمة المثلى في التعامل مع هذا الملف؛ أوباما لأنه عارض الحرب منذ البداية، فيما العديد من الشيوخ الديموقراطيين دعموها ومنهم بايدن وهيلاري كلينتون (رغم صيحات الندم اللاحقة)، وماكاين لأنه جابه الادارة الجمهورية والرأي العام من أجل استنباط طريقة فعالة للقتال. نجاح خطة الإغراق في بلاد الرافدين ضيّق فجوة الاختلاف بين المرشحين. كلاهما يريد تقليص عدد القوات في هذا البلد بطريقة لا تُضيّع النجاح الذي تحقق هناك.
لكن الاختلاف يبقى قائماً بشأن نتائج العملية العسكرية؛ ماكاين يعتقد بأن إبقاء القوات العسكرية سوف يساعد على الاستقرار السياسي في العراق، وأوباما يعتقد بأن سحبهم سوف يفرض مصالحة سياسية. ماكاين يعتقد بأن العراق هو «المعركة الأساسية ضدّ الإرهاب»، أما أوباما، فيرى أن «العراق ليس الجبهة المركزية ضد الارهاب ولم تكن يوماً كذلك».
الفجوة تضيق بين الاثنين في ما يتعلق بأفغانستان وباكستان والحرب على «طالبان». يتفقان على ضرورة زيادة عديد القوات هناك، رغم أن ماكاين أيّد هذه الفكرة متأخراً، وليس واضحاً لديه كيف يمكن زيادة عديد القوات إن لم يجرِ نقلها من العراق. وكلاهما طالب الحلفاء بتقديم عون أكبر. الاختلاف يكمن في مركز الحرب في أفغانستان في سلم المصالح الأميركية؛ أوباما يراها الجبهة الأولية، ويدعو إلى إعادة تحويل الجهود إليها. أما ماكاين، فيضعها في مركز يلي العراق من حيث الأهمية.
بشأن النووي الإيراني، هناك توافق على أنّه خطر داهم، يهدد مصالح الولايات المتحدة وحلفائها في الشرق الأوسط، وتوافق على عواقب «إيران النووية» وعلاقاتها بالجماعات الإرهابية، وخطورة انطلاق سباق نووي في المنطقة وخطره على إسرائيل. الاختلاف هو في كيفيّة التعامل مع هذا الخطر؛ أوباما دعا إلى إطلاق حوار مباشر مع طهران، فيما يرى ماكاين أن أمراً كهذا سيعزز من نفوذ محمود أحمدي نجاد، كما أنّه يحبذ الضربة العسكرية ضد البرنامج النووي الإيراني أكثر من أوباما، الذي يرى أن ضربة ضدّ إيران ستكون خطأ كبيراً، لأسباب تتعلق بموقع أميركا في المنطقة والحرب في العراق وأسعار النفط والجماعات المرتبطة بطهران في أماكن متفرقة، التي يمكن أن تردّ.
في المقابل، لا عجب في أن يغني ماكاين «أضرب ايران» ويقول إن «الأسوأ من ضربة عسكرية أميركية، هو إيران نووية». ويعلق المحلل غيدون راش مان في «الفاينانشيل تايمز» «مع اتجاه البرنامج النووي الإيراني الحالي، تبقى مسألة توجيه ضربة لإيران في الأيام الأولى من ولاية ماكاين التزاماً أساسياً، ما لم تسبقه إسرائيل».
في النزاع الفلسطيني ــ الإسرائيلي، الرجلان ملتزمان أمن اسرائيل، ويرفضان محاورة «حماس»، لكن خلال خطابيهما أمام «إيباك»، ذكر ماكاين النزاع بطريقة عرضيّة خلال حديثه عن التحديات في الشرق الأوسط، ما يرجح ألا تحتل عملية السلام حيزاً كبيراً في نشاطه.
أما أوباما، الذي أسهب في كلمته عن النزاع، فيبدو أنه سيبعث الحيوية في المفاوضات مع الأخذ بالاعتبار العقبات التي يمكن أن تعترض العملية بسبب الخلاف العميق بشأن المسائل الأساسية، أهمها القدس.