strong>كشفت النتائج النهائية لانتخابات الرئاسة الأميركية عن فوز ساحق لباراك أوباما في عملية اقتراع شهدت إقبالاً كثيفاً، فاق كل التوقعات، فيما يحصد الحزب الديموقراطي مزيداً من المقاعد في الكونغرس، ما يؤشر إلى أنّ الرئيس المنتخب سيستند إلى شرعية قوية في حكمه«عصر التغيير أتى»، وعناوين أخرى صدرت بها الصحف الأميركية في افتتاحياتها أمس ترحيباً بالوافد الجديد إلى البيت الأبيض، «الرئيس الأسود الذي صنع التاريخ».
وبغض النظر عن التوصيفات العديدة التي اتفقت عليها وسائل الإعلام، فمن المؤكّد أنّ الرئيس الجديد أتى بثقل شعبي سيعطيه شرعية كبيرة في قراراته المستقبلية، وأيضاً بدعم من الكونغرس حيث استطاع الحزب الديموقراطي تعزيز أكثريته، رغم أنها لم تصل إلى «الرقم السحري» الذي يخوّله إمرار قراراته بسهولة.
وانتخب الأميركيون، أول من أمس، «باراك حسين أوباما»، كما دعته «نيويورك تايمز»، رئيساً لهم لمدّة أربع سنوات مقبلة، مسدلين الستار على ثماني سنوات من الحكم الجمهوري. وتمكّن أوباما من التغلّب على منافسه جون ماكاين بفوز كاسح فاق حتى توقعات أشدّ المراقبين تفاؤلاً، بحيث توقع مستشار جورج بوش، كارل روف، عشية الانتخابات، أن يفوز أوباما بأصوات 338 عضواً في المجمع الانتخابي. لكن النتائج شبه النهائية أشارت إلى أنّ أوباما حصد 349 صوتاً في مقابل 162 لماكاين.
وكان لا يزال هناك أمس 27 صوتاً لم تُحسم بعد إثر عدم انتهاء الفرز في ولايتي ميسوري ونورث كارولينا، حيث النتائج متقاربة جداً (في ميسوري حصد أوباما 49.3 في المئة من الأصوات في مقابل 49.5 في المئة لماكاين، وفي نورث كارولينا حصد أوباما 49.8 في المئة من الأصوات في مقابل 49.6 في المئة لماكاين).
ونجح أوباما، خلال الانتخابات، في تمزيق الخريطة السياسية الأميركية، بعدما تمكّن من اختراق ولايات جمهورية كانت عصيّة على الديموقراطيين، كفلوريدا وفيرجينيا وأوهايو.
وبعد إعلان فوزه مع ساعات الفجر الأولى، خاطب الرئيس الأميركي الأفريقي، وهو ابن رجل كيني مسلم، أكثر من 240 ألف مناصر احتشدوا في غرانت بارك في شيكاغو من أجل الاحتفال بوصول «مرشح التغيير» إلى كرسي الرئاسة. وقال أوباما إنّ فوزه يؤكّد الحلم الأميركي «وقوة ديموقراطية أميركا»، مشيراً إلى أنّ «التغيير أتى إلى أميركا».
ودعا أوباما في خطابه إلى الوحدة بين الجمهوريين والديموقراطيين من أجل مواجهة الصعوبات، كما خاطب العالم الذي رحّب بانتخابه، معلناً أمامه أنّ «فجراً جديداً بزغ في القيادة الأميركية»، في إشارة إلى تحسين الصورة الأميركية في الخارج بعدما أغرقتها فوضى الإدارة الجمهورية.
وانطلقت الاستعدادات من أجل مراسم انتقال السلطة بعد 76 يوماً. ومن المقرّر أن يبدأ أوباما باختيار كوادر إدارته ونقل أغراضه إلى البيت الأبيض.
وعندما يتسلّم أوباما الإدارة في 20 كانون الثاني المقبل، سيواجه تحديات وصعوبات جمّة في الداخل والخارج لم يواجهها أي رئيس منذ الكساد العظيم. لذلك ذكر في خطابه أمس أنّه سيواجه تلك المعوقات والتحديات، وحذّر المواطنين من أنه قد يضطر إلى اتخاذ قرارات قد لا يوافقه عليها البعض وقد تكون موضع انتقاد من قبل الكثيرين.
وسيتعيّن على أوباما أوّلاً أن يتعامل مع أسوأ أزمة اقتصادية تعيشها الولايات المتحدة، ومعها العالم بأسره، هي الأكبر منذ الكساد الكبير في عام 1929. ولإنعاش النمو الاقتصادي، وعد الرئيس المنتخب، خلال حملته الانتخابية، بخلق خمسة ملايين وظيفة جديدة من خلال استثمارات في مجال الطاقة المتجددة، ومليوني وظيفة أخرى عبر مشروعات بنية أساسية كبيرة. كما أنه تعهّد بخفوضات ضريبية لـ95 في المئة من الأميركيين الذين يقلّ دخلهم عن 250 ألف دولار سنوياً. وهو يأمل أن يؤدي ذلك إلى إنعاش الاستهلاك، وبالتالي تحفيز النمو.
إلّا أنّ ما سيُعزّز حكمه هو الكونغرس الذي تمكّن حزبه الديموقراطي، في انتخابات أول من أمس، من تعزيز نفوذه داخل المجلسين، النواب (425 عضواً) والشيوخ (100 عضو). وتمكّن هذا الحزب من الظفر بخمسة مقاعد إضافية في مجلس الشيوخ حيث بات لديه 56 عضواً، مع أنه كان يأمل بالحصول على الرقم السحري، وهو 61 عضواً، كي يتمكن من الحكم بالمطلق، لأن هذه الغالبية ستمكّنه بموجب الدستور من إمرار قراراته ومشاريعه من دون قدرة الحزب الجمهوري على عرقلتها.
أما في مجلس النواب، فقد فاز الديموقراطيون بـ19 مقعداً إضافياً، وبات لديهم 253 مقعداً في مقابل 173 مقعداً للجمهوريين.
وهكذا، فإن الفوز الذي حققه الديموقراطيون في الانتخابات التشريعية، والعدد الكبير من الأصوات التي حصل عليها أوباما، سيجعلان منه رئيساً يتمتع بشرعية كبيرة ويضفيان على قراراته مزيداً من القوة. إذ سيسهل إمرارها عبر كونغرس يواليه.
وعاشت الشوارع والمناطق الأميركية أمس يوماً مليئاً بالاحتفالات. وهتفت الحشود «بوش قد رحل»، تعبيراً عن فرحتها برحيل إدارة جورج بوش التي أنهكتها. أما جون ماكاين، الذي اعترف بهزيمته، فقد هنّأ خصمه، قائلاً إن أوباما أصبح رئيسه الآن، داعياً الأميركيين، ومناصريه على وجه الخصوص، إلى مساعدته من أجل قيادة الأمة في هذه الأوقات الصعبة. وقال «الأميركيون أعطوا كلمتهم بوضوح»، مضيفاً «هذه انتخابات تاريخية».
كذلك هنّأ جورج بوش الرئيس المنتخب، قائلاً له «يا لها من ليلة مدهشة لك». ودعاه إلى زيارة البيت الأبيض. كذلك قالت منافسة أوباما في الانتخابات التمهيدية، الديموقراطية هيلاري كلينتون، في بيان، إنّ الناس صوّتوا «من أجل التغيير، ورفضوا أن يكونوا غير مرئيين بعد الآن».
(الأخبار، أ ب ، أ ف ب)