خطّة مراقبة وتنصّت في دول الاتّحاد... وبريطانيا تعتمد «الصندوق الأسود»برلين ــ غسان أبو حمد
بدأت الأجهزة الأمنية الأوروبية بتنفيذ مشروع أمني مشترك يقضي بإخضاع جميع خطوط الاتصال الهاتفي والإلكتروني للمراقبة، بحجّة مكافحة الإرهاب وجرائم تهريب الأموال، وسواها من الجرائم المنظّمة التي تديرها عصابات تقيم مراكزها وشبكاتها بين دول الاتحاد الأوروبي وأنحاء العالم. هذه الخطة التي يصعب تقدير تكلفتها المالية حالياً، دخلت حيّز التطبيق هذا الأسبوع في كلّ من ألمانيا وبريطانيا، وهي ستضع تدريجاً كامل دول الاتحاد الأوروبي على طريق «الدولة البوليسية»، التي تخرق في أبسط بنودها قواعد حقوق الإنسان والحريّات الشخصية والعامة، ولا سيما أنّ أخطر ما يتضمنه القانون الجديد هو شرعية إخضاع الصحافيين والأطباء تحديداً لقانون المراقبة الأمنية الدائمة.
وكان التجمّع الحزبي الحاكم في ألمانيا قد توصّل، في أواسط الأسبوع الماضي، إلى اتفاق على بنود الخطة التي وضعتها وزارة الداخلية الألمانية لمكافحة الإرهاب. كما حدّد شروط وموازنة إنشاء قوة أمنية ـــــ عسكرية خاصة مدرّبة لمواجهة الإرهاب والحالات الموصوفة بضرورة «التدخّل السريع». ومن المقرّر أن تطرح هذه الخطة الأمنية في 28 الشهر الحالي على «البوندستاغ» (البرلمان الألماني) كي يخرج القانون إلى العلن وينفّذ ويطبّق في اليوم الأول من عام 2009 المقبل.
ويمنح القانون الأمني الجديد وزارة الداخلية شرعية «ملاحقة المشبوهين ومتابعتهم، والتنصّت على الهاتف العادي والنقّال وشبكات الدردشة والاتصال على الإنترنت، وتحديد أمكنة شبكات الاتصال الهاتفي والإلكتروني، ومراقبة المنازل المشبوهة بعدسات تصوير وأجهزة تنصّت سرية».
ويتجاوز القانون الأمني الجديد ما يعرف بحالات المتابعة والملاحقة التقليدية للمجرمين والأشخاص المشتبه فيهم، ليمنح رجال التحرّي والشرطة شرعية مراقبة المنازل والأشخاص بعدسات تصوير وآلات تنصّت خفية بحجة «استباق الجريمة وتفاديها قبل وقوعها».
وفي محاولة لحماية الحريات والحقوق الشخصية للمواطنين، يتضمن القانون الجديد ضرورة حصول رجال الأمن والتحرّي على موافقة مسبقة من القضاء (المدّعي العام) تتضمن تحديد مهلة زمنية تبرّر شرعية المراقبة وحدودها لمنازل المشتبه فيهم، والحالات التي تبرّر زرع عدسات التصوير والتنصّت في بعض الأماكن، حيث يعود للقاضي وحده تحديد هذه الأمور، منعاً لتجاوزها واحتراماً لحقوق المواطن وحريته الشخصية.
وكان هذا الجانب مدعاة لسخرية بعض السياسيين ووسائل الإعلام، وخصوصاً الطلب إلى الأطباء وأصحاب المهن الخاصة والصحافيين والمراسلين الأجانب الموافقة المسبقة على عدم ممانعتهم خضوع اتصالاتهم للمراقبة الأمنية.
ومن الأمور التي يلحظها القانون «البوليسي الأوروبي» الجديد، منع تبادل بعض الأمور الشخصية السرّية بين مختلف الأجهزة الأمنية (أي الاستخبارات ومكافحة الجرائم الجنائية ومكافحة التهريب)، وذلك حرصاً على الحقوق والحرية الشخصية للمواطنين. ويخضع التبادل لموافقة المدّعي العام الخطية والواضحة مع تعليل الجوانب التي يراها مناسبة لاكتمال ملف متابعة التحقيقات القضائية.
وتجدر الإشارة إلى أنّ الأجهزة الأمنية الألمانية (دائرة مكافحة الجريمة) التقطت من شهر أيار إلى شهر تموز من العام الحالي 1742 مخابرة مشبوهة، ولم تتمكن من مواصلة الملاحقة في 96 رسالة منها، لأنّ المدّعي العام لم يوافق على منح تصريح بالملاحقة.
بريطانيا: «صندوق أسود» للتسجيل
ومن ألمانيا إلى بريطانيا، حيث تتداول الحكومة البريطانية في إمكان تجهيز «صندوق أسود» (وصفته وسائل الإعلام بالمفتش الذكي) تبلغ تكلفته أكثر من 15 مليار يورو، تكون مهمته تخزين جميع الاتصالات الإلكترونية والهاتفية، السلكية واللاسلكية، ويمتلك تقنية تحديد موقع الهاتف النقال الذي تنطلق منه أيّ إشارة.
وتنقل صحيفة «نيو سكوتسمان» البريطانية عن المسؤول في وزارة الداخلية، دومينيك غرياف، تأكيده أنّ مشروع «الصندوق الأسود» سوف يدخل قريباً حيّز التنفيذ. ويضيف أن هذا المشروع ذا التقنية العالية سبق للحكومة البريطانية أن ناقشت تفاصيله، وأبصر النور عام 2007.
وأشارت صحيفة «إندبندنت»، في السابع من الشهر الجاري، إلى أن مشروع «الصندوق الأسود» تُبحث تفاصيله بدقة بين خبراء وزارة الداخلية البريطانية وشركات البثّ عبر الإنترنت بهدف تحديد المواقع التي سيتمركز فيها وكيفية تسريبه المعلومات المشبوهة وإرسالها إلى موقع مركزي لمكافحة الجريمة لتحليلها.
ويقول عضو في منظمة الدفاع عن حقوق الإنسان، «أوبن رايتس غروب»، إنه تقدم في شهر آب الماضي بطلب إلى وزارة الداخلية البريطانية يستوضحها برنامج «الصندوق الأسود» وخطره على الحقوق الشخصية والحريات العامة. وبعد مرور الفترة المخصصة لتلقّي الجواب الرسمي (20 يوماً)، وصله الردّ الآتي: «نحن حالياً ندرس ما إذا كان يجوز تسريب معلومات عن خطة «الصندوق الأسود». وعليه، ليس بالإمكان تسريب أي شيء يتعلق بوسائل المحافظة على سلامة المواطن وأمنه».