ولّدت نتائج انتخابات الحزب الاشتراكي أزمة، هي الأولى من نوعها، تهدّد وحدته، بعد فشل «فيلته» في تحقيق نصر صريح على معسكر مرشّح الرئاسة السابقة سيغولين رويال
باريس ــ بسّام الطيارة
«الخاسرة رابحة والرابحون خاسرون». بهذه العبارة يمكن اختصار نتيجة الصراع على رئاسة الحزب الاشتراكي الفرنسي بين مارتين أوبري، التي أُعلن فوزها بفارق ٤٢ صوتاً من أصل ١٤٠ ألفاً على المرشحة السابقة للرئاسة سيغولين رويال، التي لم تقبل بهذه النتيجة التي أغرقت حزب المعارضة الأول في أزمة حادة قد تضع وحدته على المحك وتهدد مصيره.
وكان المحازبون الاشتراكيون، ومعهم المراقبون، قد عاشوا على إيقاع سيناريو تراجيدي مثير طوال ليل الجمعة ــ السبت، إذ كانت تسريبات النتائج تؤجج حمى الصراع قبل أن تشير بعض الأرقام، وسط غموض مثير، إلى إمكان تصدّر رويال النتائج بنحو ٥٢ في المئة من الأصوات، وهو سرعان ما كذبته أوساط أوبري، التي أكدت فوز عمدة مدينة ليل المدعومة من «فيلة الحزب».
تجاذب استمر حتى ساعات الصبح الأولى من يوم السبت، حين أُعلن فوز أوبري بحصولها على 50.02 في المئة من الأصوات، بينما حصلت رويال على 49.98 في المئة، وهو ما أثار احتجاج معسكر الأخيرة بقوة.
وندد مقربون من رويال بـ«عمليات غش» في معقلي أوبري وحليفها لوران فابيوس في الشمال. ودعا مساعدو مرشحة الرئاسة السابقة إلى «ثورة للمناصرين» وطالبوا بإعادة الاقتراع.
واشتدت الأزمة بعد موجة من الاتهامات والشتائم المتبادلة بين المعسكرين، ما عكس حالة انقسام لم يشهدها الحزب في تاريخه. وفي أول إشارة إلى أن الأزمة لن تُتجاوَز «بفرض النتيجة المعلنة»، خرج فرانسوا هولاند، السكرتير الحالي للحزب والمساكن السابق لرويال وأبو أولادها الذي دعم خصومها، عن صمته ليعلن أن المجلس الوطني للحزب سينعقد مساء الثلاثاء لإعلان النتائج وتحديد السكرتيرة الأولى المقبلة.
الإعلان فسره البعض بوجود موجبات ما، تدعم وجهة نظر رويال. وقد تأكد هذا التوجه بعدما أعلن أحد المقربين من أوبري أن «هناك أجواء أزمة لا ينبغي إنكارها، وبالتالي لا بد من التوصل الى حلول لتسوية هذه الأزمة»، وهو ما رأى فيه البعض اعترافاً «بقوة رويال رغم خسارتها المعلنة».
بدورها، دعت أوبري الى «التحلي بالمسؤولية»، محذرة من أن تقود الأمور الحزب إلى وضع أسوأ بكثير. إلا أنه لا يبدو أن رويال ومعسكرها سيقبلان بمهادنة يعتبرها أنصارها «خطف لانتصارها». وقد ردت رويال، التي أثبتت إمساكها «على الأقل بنصف الحزب رغم تكتّل جميع التيارات ضدها» كما يصفها المراقبون، بأنها «لن تستسلم». ولوح مقربون منها بأنها ستحتج بكل الوسائل «السياسية والقانونية، وحتى القضائية» لحسم «الاحتيال والغش». ويتخوّف مناصرو رويال من أن تكون دعوة المجلس الوطني مناورة لاستيعاب رفضها للنتائج، إذ إنها لا تملك غالبية فيه. إلا أن بعض المراقبين يشيرون إلى أن «انتصارات رويال المتعاقبة بعد كل تصويت يمكن أن تغير موازين القوى حتى داخل المجلس». ويصفون النتيجة بأنها «انتصار سياسي لا غبار عليه» ويشددون على أن رويال باتت الشخصية الأولى في الحزب وأن سياسة «أياً كان إلا رويال»، التي اتبعها «فيلة الحزب»، انقلبت عليهم وأظهرت ضعفهم، وأثبتت أن قاعدتها في الحزب واسعة.
في المقابل، فإن أوبري، حتى لو ثبتت نتيجة انتخابها، فهي تصل ضعيفة جداً على رأس تحالفات أقل ما يمكن وصفها بأنها متناقضة تجمع توجه اليسار الراديكالي (تياري لوران فابيوس وبنوا هامو) المعارض لأوروبا، إلى جانب التوجه الاشتراكي الديموقراطي (تيارا كل من مدير صندوق النقد الدولي دومينيك ستراوس كان، وعمدة باريس برتران دولانويه) المؤيد للانصهار في الاتحاد الأوروبي، إضافة إلى التنافس الحاد والخصومة التاريخية بين رؤساء هذه التيارات، ما جعل التوافق على اسم أوبري مخرجاً لهم للوقوف في وجه رويال، التي كانت قد هزمتهم في معركة الترشح للمنافسة على رئاسة الجمهورية.
ومن هنا تقف رويال بقوة بوجه «النصف الآخر المتفتت» من الحزب، مستندة إلى صلابة قاعدتها التي باتت معجبة ببأسها ومقاومتها إلى جانب شلة من «المجددين الشباب»، الذين أثبتوا قدرتهم على مواجهة «كبار الحزب» وآلته الإدارية.
ويدرك هولاند أنه أمام حالة نادرة من الانقسام، وأن عليه أن يأتي بمخرج خلال جلسة المجلس الوطني ترضي «الخاسرة القوية» وتبعد عن الحزب أعراض «الغرق في الديموقراطية التنافسية». وبحسب أكثر من مصدر، فإن الحل الأوحد أمام هولاند والمجلس الوطني هو جولة ثالثة تنقذ ماء وجه الحزب، وخصوصاً بعد اكتشاف عدد من الحالات، التي إذا أُخذت بالاعتبار، فستعطي رويال الأرجحية.