وصل الخلاف بين الإدارة الأميركية والمدير العام للوكالة الدولية للطاقة الذرية، محمد البرادعي، إلى ذروته أمس على خلفية العقدة النووية السورية التي تعزّزت مع طلب دمشق مساعدة دولية في التخطيط لإنشاء محطة للطاقة النووية على أراضيها، في وقت تتسارع فيه مساعي «تسوية» ترضخ بموجبها واشنطن للطلب السوري، في مقابل عدم تزويد دمشق أي تقنية نووية قبل عام 2011.وفي تحذير مبطّن إزاء أي قرار أميركي بشنّ حرب على سوريا، ذكّر البرادعي دبلوماسيين أجانب بالادّعاء الأميركي الكاذب ضدّ نظام الرئيس العراقي السابق صدام حسين بأنه يطوّر أسلحة دمار شامل، وهو ما تم اعتماده لاحقاً كأحد المبررات الرئيسية للحرب على هذا البلد واحتلاله في عام 2003.
والطلب ـــ المشروع السوري محل الخلاف، والذي تقدَّر تكلفته بنحو 350 ألف دولار، هو عبارة عن دراسة مطلوب أن تجرى من 2009 إلى 2011 لتقدير «جدوى اقتصادية وفنية لاختيار موقع» لإقامة محطة طاقة نووية في سوريا.
وردّاً على الرفض الأميركي القاطع ضدّ الطلب السوري، قال البرادعي، خلال اجتماع مغلق لمجلس حكام الوكالة، أول من أمس، «كان هناك ادّعاءات بأن صدام حسين يطوّر أسلحة نووية وكيميائية وبيولوجية سرية، لكن تبيّن أنها كانت غير صحيحة فقط بعد حرب مرعبة».
وفي سياق دفاعه عن حقّ سوريا بطلب مساعدة دولية نووية، أشار البرادعي إلى أن هذا المسعى «لا يشكّل أي خطورة لإنتاج قنبلة نووية»، لافتاً إلى أن التحركات الغربية لعرقلة المشروع «تشكّك في صدقية الوكالة وتسيّس نشاطها التقني». موقف بادرت كل من روسيا والصين وعدد من الدول النامية إلى تأييده على اعتبار أنه لا أساس «لتسييس» المعونة الخاصة بتنمية الطاقة التي تقدمها الوكالة من دون دليل على أن الدولة المعنية انتهكت قواعد منع الانتشار النووي.
ويندرج كلام المسؤول الأممي في خانة الرد على المتحدث باسم وزارة الخارجية الأميركية شون ماكورماك الذي رأى أن إعطاء سوريا معلومات نووية حسّاسة «غير مناسب مطلقاً»، مشيراً في الوقت نفسه إلى أن «ضلوع الوكالة الدولية للطاقة الذرية في تقديم معلومات تقنية تتعلق بنشاطات نووية سيكون متناقضاً تماماً كي لا نقول إنه يدعو إلى السخرية».
لكن البرادعي رأى أن وكالته لا تملك «حقاً قانونياً في حرمان سوريا من المساعدة في مشروع للطاقة النووية» من منطلق أنها «تملك الحقوق الكاملة التي تنطوي عليها العضوية إلا إذا ثبت عكس ذلك».
وذهب البرادعي إلى أبعد من ذلك في دفاعه عن الموقف السوري، إذ رأى أنه لا يوجد أساس قانوني لتدخل القوى الغربية ضد هذا البلد وأنه لا توجد وسيلة لدى سوريا تمكنها من استغلال الدراسة بشأن محطة الطاقة النووية لأغراض عسكرية.
وفي تصريحات نشرها مكتبه، أمس، رأى البرادعي أن «حرمان سوريا من المعونة النووية استناداً إلى مزاعم لم تثبت، ليس جزءاً من قاموسنا وليس جزءاً من لوائحنا».
وفي معرض انتقاده للرفض الأميركي للطلب السوري، شدّد البرادعي على أن «هذا المشروع لم يظهر فجأة، فنحن نعمل مع سوريا منذ عام 1979 بشأن جوانب مختلفة لجدوى بناء محطة للطاقة النووية»، محذراً من أنه إذا عُرقل المشروع السوري استناداً إلى «اعتبارات سياسية»، فإن وكالة الطاقة «ستفقد صدقيّتها لدى الدول النامية التي تسعى إلى الحصول على طاقة نووية للأغراض السلمية، ولن يشجع الدول التي تخضع للتحقيق على التعاون معنا».
وعزا «مسؤول بارز» في الوكالة الدولية هذه المواجهة المتكررة بين البرادعي وإدارة الرئيس جورج بوش إلى «تصميمه (البرادعي) على الحفاظ على استقلال الوكالة واتّباع الإجراءات المطلوبة والحيلولة دون أن تصبح الوكالة الدولية محكمة تعسفية».
واندلع السجال بين الأعضاء الـ35 لـ«مجلس الحكام»، على أثر نشر تقرير للوكالة الأسبوع الماضي، يفيد بأنه وُجد في الموقع السوري الذي قصفته إسرائيل في دير الزور في أيلول 2007، «كميات كبيرة من جزيئات اليورانيوم والتي من المحتمل أن تكون بقايا لوقود نووي قبل التخصيب».
لكن التقرير نفسه، عاد وشدد على أن النتائج لا تزال «أولية»، وأنه من الضروري للوصول إلى خلاصات نهائية، إجراء مزيد من الفحوص في الموقع وأن تقدم سوريا الوثائق التي تؤكد نفيها وجود نشاط نووي سري.
على الصعيد نفسه، كشف دبلوماسيان غربيان عن وجود مناقشات حثيثة تهدف للتوصل إلى «تسوية» بشأن الخلاف، تُسقط الكتلة الغربية بموجبها اعتراضاتها على المشروع السوري، «بشرط تعهّد وكالة الطاقة بترتيبات لضمان عدم إدخال أي معدات للمحطة حتى نهاية الدراسة» أي حتى عام 2011.
وبرّر أحد الدبلوماسيّين استعداد واشنطن للدخول في مثل تلك التسوية بأنّها «أدركت أنها لا تملك أغلبية تمكنها من تجميد المشروع خلال تصويت علني في مجلس محافظي الوكالة». ومن المقرَّر أن يستمر اجتماع حكام الوكالة حتى اليوم الأربعاء، على أن تتخذ اللجنة التي تدرس الموضوع توصياتها بالتوافق يوم الخميس أو الجمعة.
(أ ب، أ ف ب، رويترز)