يبدو أن تعجيل سيناريو عودة فلاديمير بوتين إلى رئاسة روسيا هو الراجح اليوم، في ظل الأزمة الاقتصادية، التي قد تفقده كل ما بناه خلال وجوده في الكرملين
ربى أبو عمو
عمد الرئيس الروسي، ديمتري مدفيديف، في خطابه الأول إلى الأمة في أوائل الشهر الحالي، إلى السير على خطى الألعاب النفسية وممارسة فعل «الصدم». بعد يوم واحد على انتخاب الرئيس الأميركي الجديد، باراك أوباما، اقترح مدفيديف، من دون سابق إنذار، تمديد مدة الرئاسة من 4 إلى 6 سنوات. اقتراح بدا غريباً للوهلة الأولى، وضعيفاً نظراً لتراتبيته (آخر الخطاب)، والمدة التي استغرقها من الخطاب ككل.
وبعد أيام، سارع رئيس الوزراء الحالي، فلاديمير بوتين إلى مباركة الاقتراح، تلاه البرلمان الذي وافق عليه في القراءتين الأولى والثانية والثالثة. أكد مدفيديف أن القرار يفترض أن يسري بعيد انتهاء ولايته. إلاّ أن العجلة التي رافقت تنفيذه، تدل على أقل تقدير، أن التحضيرات ما قبل الأخيرة لعودة بوتين إلى سدة الرئاسة، باتت في مراحلها الأخيرة، وهذه المرة لولايتين متتاليتين.
الزعيم الروسي المعارض غاري كاسباروف، قال لصحيفة «الإندبندنت» البريطانية، إنه «لا يتوقع استمرار مدفيديف في سدة الرئاسة أكثر من 18 شهراً، فضلاً عن التظاهرات الحاشدة التي ستعمّ البلاد نتيجة الأزمة الاقتصادية». وأضاف أنه «لا يعلم كيف هو شكل التغيير. نأمل ألاّ يكون عنيفاً. إلاّ أن النظام يدفع بهذا الاتجاه، وقريباً سيكون هناك مئات الآلاف من الناس في الشوارع».
لم يتوقف كاسباروف عند هذا الحد، بل قال أيضاً إن «الكساد الاقتصادي الذي تواجهه روسيا لناحية فقدان سوق الأسهم 70 في المئة من قيمتها منذ أيار الماضي، وتدني احتياطات البنك المركزي بمليارات الدولارات أسبوعياً، يؤديان إلى انخفاض القاعدة الرئيسية الداعمة لبوتين. فنحو 15 في المئة من الذين يمثّلون الطبقة الوسطى الجديدة، كانوا يستطيعون الحصول على بطاقات ائتمان، وشراء سيارات وشقق، والسفر إلى الخارج، والآن، هم يواجهون مشاكل حقيقية».
يمكن وصف الأزمة الاقتصادية بأنها سيف ذو حدين بالنسبة إلى بوتين، الذي يدرك أن الوقت في كل الأحوال ليس لمصلحته. على الأقل، هناك سببان رئيسيان دفعاه إلى الإسراع في تعديل الدستور بعد 6 أشهر فقط على انتهاء ولايته. يتمثل الأول في المخاطر السياسية والاقتصادية، وخصوصاً انخفاض أسعار النفط؛ فالبطاقات الرابحة التي جمعها بوتين خلال فترة رئاسته اعتمدت أساساً على الطفرة في أسعار النفط والغاز.
أما الثاني، فهو إدراك بوتين أنه مع تفاقم الأزمة الاقتصادية، يطفو على السطح احتمال دخول «السياسيين الانتهازيين ورجال الأعمال أصحاب النفوذ» على الخط. فستة أشهر مدة كافية لتأليف مجموعة منافسة بديلة من حاشية بوتين، تكون قادرة على الاستفادة من عدم الرضى الشعبي والفراغ في السلطة الذي قد تسببه الأزمة الاقتصادية.
تهديد يبدو مستبعداً، إلّا أنه ليس مستحيل الحدوث بالنسبة إلى بوتين، الذي سيعمد إلى أحد الأساليب النفسية، ويروج لأهمية أن تكون الحكومة والكرملين في يد «متسلط ودود».
اليوم، يسيطر بوتين على لجنة الانتخابات المركزية، ومحطات التلفزة الرئيسية، والأحزاب السياسية الأساسية، ومجلس الدوما، والمجلس الفدرالي، والجيش، والشرطة، والأجهزة السرية، إضافة إلى الرئيس بطبيعة الحال.
إلاّ أن الدولار والأزمة الاقتصادية وسعر النفط هي خارج قدراته التحكمية. وقد يخونه البيروقراطيون الذين لطالما قدموا له دعماً سخياً، إذا وجدوا أن تدهور الأوضاع الاقتصادية سيؤثر على حساباتهم المالية، فضلاً عن موقف الطبقة الوسطى من بوتين، في ظل انخفاض قيمة الروبل (العملة الروسية)، والتسريح التعسفي للعمال من دون تعويضات، وسحب الناس أموالهم من المصارف.
الأزمة قد يستغلها بوتين في طريق عودته إلى الرئاسة، على اعتبار أنه صاحب الإنجازات في المجال الاقتصادي والسياسي الروسي، مع حمايته للفساد بصورة مباشرة وغير مباشرة. احتمال أن ينتظر بوتين انتهاء ولاية مدفيديف الرئاسية أمر مستبعد. وسواء بالاتفاق مع الرئيس الحالي أو بعدم رضاه، يبدو أن بوتين في طريقه إلى استعادة كرسي الرئاسة قريباً، بحجة عدم قدرة الرئيس الحالي على معالجة الأزمة الاقتصادية، بعكس بوتين، الذي أعاد بعض البحبوحة إلى بلاده في فترة حكمه، وخصوصاً في مدينتي موسكو وسان بطرسبرغ. حجة لن تخدمه أكثر من عام، عليه خلالها إعداد خطة اقتصادية تكون قادرة على إخراج البلاد من أزمتها الاقتصادية، بغض النظر عن أسعار النفط.