وجدت واشنطن وحلفاؤها من كتلة الدول الغربية مأخذاً جديداً على سوريا على خلفيّة مشروعها النووي المزعوم. فقد اتّهمت الولايات المتحدة والرئاسة الفرنسية للاتحاد الأوروبي، نيابة عن الدول الغربية الحليفة للعم سام في الوكالة الدولية للطاقة الذرية أمس، دمشق باتّباع الأساليب نفسها التي سبق أن اعتمدتها طهران «لإخفاء مواقعها النووية وتنظيفها هرباً من التفتيش الدولي». وفي ختام اجتماع مجلس حكّام الوكالة (35 عضواً) في فيينا، قال المندوب الأميركي لديها، غريغوري شولت، إن سوريا «تتبنّى تكتيكات أتقنتها إيران لعرقلة تحقيق الأمم المتحدة بشأن أنشطتها النووية السرية». وانطلق اتهام شولت من خلاصة تقرير الوكالة الذي أصدرته في 19 من الشهر الجاري، والذي أشار إلى أن موقع الكبر السوري الذي سبق أن قصفته إسرائيل في أيلول 2007، «وُجدت فيه آثار يورانيوم ووقود نووي».
وخلال النقاشات التي جرت في مجلس الحكام، أشار شولت إلى أنه «حتى الآن، يبدو أن سوريا تختبر تكتيكات الإعاقة وعدم المساعدة التي أتقنتها إيران بشدة». وأضاف «تحتاج الوكالة إلى أن تفهم ما كانت تبنيه سوريا سراً ثم دفنته تحت أمتار من التراب تحت مبنى جديد، وأن تُظهر أن الأنشطة النووية غير الشرعية، سواء كانت في سوريا أو أي مكان آخر، ستُضبط ويُحقّق فيها».
وكرّر الدبلوماسي الأميركي التذكير بأن سوريا «لم تصادق على البروتوكول الإضافي لاتفاقية حظر انتشار الأسلحة النووية، لأنها أداة حاسمة لرصد الأنشطة النووية السرية، كونها تسمح بعمليات تفتيش مفاجئة خارج المواقع النووية المعلن عنها»، متناسياً أن حليفته الرئيسية، إسرائيل، لم توقّع على الاتفاقيّة نفسها الموضوعة منذ 1968.
وفي إشارة إلى التحقيق المتواصل مع سوريا على خلفية موقع الكبر الذي تؤكد دمشق أنه كان موقعاً عسكرياً لا نووياً، رأى شولت أن «القضية تبرز القيود المفروضة على الوكالة الدولية، وربما نفهم الآن سبب عدم توقيع سوريا على البروتوكول الإضافي».
وفي السياق، ضمّت الرئاسة الفرنسية للاتحاد الأوروبي صوتها إلى الاتهام الأميركي لسوريا، عندما جزم المتحدث باسمها، فرانسوا كزافييه دونيو، بأن السلطات السورية «أقدمت على تنظيف» المواقع الثلاثة التي كانت الوكالة تريد تفتيشها قبل أن ترفض دمشق الطلب.
وأوضح دونيو أنّ «سوريا نفذت أشغالاً في المواقع الثلاثة، وذلك بعيد طلب الوكالة»، مؤيّداً ما كان زميله شولت كشف عنه من وجود «أدلة دامغة عن تنفيذ سوريا تدابير لتنظيف المواقع الثلاثة».
وعلى هامش الاتهامات الأميركية والأوروبية، طالب 24 دبلوماسياً من حكّام الوكالة، في اختتام اجتماعهم، دمشق بـ«إظهار المزيد من التعاون والشفافية المطلوبين من الوكالة». وتحدث شولت باسم زملائه الـ23 قائلاً «نؤيّد مواصلة وفد المفتّشين عملهم الجاد، ونحث السلطات السورية على تأمين أكبر قدر من الشفافية والتعاون معهم في المعلومات وحرية التفتيش والتنقل».
وأشار دبلوماسي مشارك في الاجتماع الختامي، رفض الكشف عن هويته، إلى أن «سوريا باتت الآن على جدول أعمال الوكالة ومجلس حكّامها، وننتظر التقرير المقبل الذي سيصدر عن الوكالة في 19 آذار 2009».
وكان الكباش السياسي بين سوريا وحلفائها في وكالة الطاقة، إيران وفنزويلا وروسيا والصين ودول منظمة عدم الانحياز، من جهة، وواشنطن وحلفائها الغربيين من ناحية أخرى، انتهى لمصلحة دمشق، التي ربحت «تسوية» تقوم على تلبية طلبها من الوكالة التي ستدرس جدوى إقامة مفاعل نووي على الأراضي السورية بين عامي 2009 و2011. ووقف المدير العام للوكالة محمد البرادعي في هذه «المعركة»، إلى جانب دمشق، على قاعدة أنها ستبقى بريئة من تهمة نووية موقع الكبر، إلى أن تنتهي التحقيقات.
(أ ب، أ ف ب، رويترز)