موسكو ـ حبيب فوعاني... وحقّقت روسيا إحدى أمنياتها الاستراتيجية. ها هو الرئيس الجورجي ميخائيل ساكاشفيلي، يستعدّ للّحاق بـ«ملهمه» الأميركي جورج بوش. اقتراب النهاية هذا لم يدفعه إلى الانطواء، بل لا يزال يضحك في وجه الكاميرات الإعلامية، ويبرر بثقة اعتداءه على أوسيتيا الجنوبية.
حكاية النهاية صاغتها روسيا، من خلال مندوبها الدائم لدى حلف شمال الأطلسي دميتري روغوزين، الذي أكد أن «الولايات المتحدة تنوي دفع ساكاشفيلي للاستقالة من منصبه، بعدما خيّب آمال أصدقاء جورجيا في الحلف». ورجح أن تصبح «رئيسة البرلمان الجورجي السابقة نينو بورجانادزه، خليفة لساكاشفيلي». إعلان روسي لم يلقَ أي استجابة جورجية أو غربية حتى الآن.
الاحتفالات هذا العام بالذكرى الخامسة لانتصار «ثورة الورود»، التي اندلعت في 23 تشرين الثاني عام 2003، كانت متواضعة على غير العادة. حتى إن الرئيس الأوكراني فيكتور يوتشينكو غاب عن هذا الحدث.
لم يكن لدى الرئيس الجورجي ما يفتخر بإنجازه خلال أربعة أعوام، سوى المراهنة على بوش، والحرب «الدون كيخوتية» ضد روسيا. المعجزة التي وعد بها مواطنيه لم تأت، بل ارتفع مستوى البطالة وتفاقمت المشكلات الاجتماعية وتفشى الفقر وتدهور الاقتصاد.
أما إنجازاته، فتمثلت باعتقال أربعة ضباط من القوات الروسية، التي كانت ترابط في جورجيا، بتهمة التجسس في السابع والعشرين من كانون الأول عام 2006. هذا إضافةً إلى «افتعال» حادث الصاروخ الغامض، الذي سقط على الأراضي الجورجية في السادس من آب عام 2007.
أما تعرضه والرئيس البولندي ليخ كاتشينسكي‏ لإطلاق نار في 23 تشرين الثاني الجاري، واتهامهما روسيا، فكان بحسب ما نقلت صحيفة «دزيينيك» البولندية الأسبوعية عن تقرير سري لأجهزة الاستخبارات البولونية، «حادثاً افتعلته السلطات الجورجية لتحريض الغرب على روسيا».
أما واشنطن، فيبدو أنها تسير أيضاً في إطار تصفية ساكاشفيلي سياسياً بعد نحو عام على تململها منه، إذ كانت قد أكدت صحف أميركية استعداد البيت الأبيض «لتسليم ساكاشفيلي والمراهنة على المعارضة».
وتزامناً مع الاحتفالات المتواضعة بذكرى «ثورة الورود»، جذب انتباه المراقبين انعقاد المؤتمر الأول للحزب الجديد «الحركة الديموقراطية ـ جورجيا الموحدة»، الذي أنشأته حليفة ساكاشفيلي السابقة وزعيمة المعارضة الحالية نينو بورجانادزه، بتمثيل أميركي وبريطاني، وإعراب بورجانادزه لأول مرة عن نيتها خوض المعركة من أجل المنصب الرئاسي.
بعد مشاركتها وساكاشفيلي في ثورة الورود، كان متوقعاً أن تكون بورجانادزه رئيسة لجورجيا، لكن الغرب راهن على متخرّج جامعة كولومبيا الأميركية لمواجهة «روسيا البوتينية». بقيت هي يده اليمنى بانتظار اللحظة المناسبة للانقضاض عليه، والتي حلت في نيسان الماضي، عندما بلغت عسكرة جورجيا ذروتها، وبدا واضحاً أن ساكاشفيلي ركب عقله وأن الغيوم السوداء تتلبد فوق رأسه، فتخلت عنه أيضاً، وزارت أوروبا والولايات المتحدة قبيل تأسيس حزبها. وأكد مراقبون أن «الغرب أفهمها أنه لا يستطيع القبول بوجود رئيس مثل ساكاشفيلي، يمكن أن يهدد مصالحه الحيوية في هذه المنطقة المزدحمة بأنابيب الغاز والنفط».
فهمت السيدة الحديدية الإشارة، وبدأت التحرك الحثيث لتزعم المعارضة، ويبدو أنها لن تنتظر حتى انتهاء ولاية الرئيس في عام 2013. هكذا يقول لها حدسها...