Strong>«مشروع وطني» لتعديل وإقرار قوانين لانتزاع صلاحيات العسكر وتسهيل المسيرة الأوروبيّةيُرَجَّح أن يكون خريف تركيا وشتاؤها ساخنين هذا العام. فبرلمانها سيشهد جلسات ماراثونية لإقرار دستور مدني جديد يندرج في رزمة واحدة مع إجراء إصلاحات دستورية وقانونية لتسهيل العضوية الأوروبية. الغالبية المطلوبة مؤمّنة، غير أنّ الكلمة الفصل تبقى بيد المحكمة الدستورية ومن خلفها الجيش

أرنست خوري
افتُتحت الدورة التشريعية الجديدة للبرلمان التركي أول من أمس، ودخلت البلاد مرحلة من النشاط السياسي الداخلي بالغة الأهميّة. حيوية من شأنها حجب الأنظار، لفترة على الأقل، عن ملفات احتلت صدارة الاهتمام في الفترة الأخيرة، أكان في ما يتعلق بملفّ الفساد المالي الذي اتُّهم رئيس الحكومة رجب طيب أردوغان بالتورط فيه (دنيز فينيري)، أو حتّى في ملف العصابات الإجراميّة المتتالية فصولها (أرغينيكون).
وقد يشهد الفصل التشريعي هذا، أنشط دينامية برلمانية عرفتها البلاد منذ زمن طويل، لكونه سيضع نصب عينيه إقرار خطّة حزب «العدالة والتنمية» الحاكم، المسمّاة «البرنامج الوطني». برنامج يتضمّن تعديل وإلغاء وإقرار 131 قانوناً و342 مرسوماً وقراراً وضعها حكّام أنقرة في خانتين متلازمتين: تطبيق شروط أوروبية في المفاوضات المستمرة منذ 2005 لتمهيد الطريق أمام العضوية التركية في الاتحاد الأوروبي، وفسح المجال أمام ولادة دستور مدني جديد في البلاد.
كما أنّه من المتوقّع أن يُجري أردوغان تعديلاً حكومياً واسعاً، وأن تنال حكومته تفويض المجلس النيابي لعام جديد للسماح للجيش بشنّ حملة عسكرية داخل شمال العراق لضرب مقاتلي حزب العمال الكرستاني (التفويض الحالي ينتهي في 17من الشهر الجاري).
مشروع التعديل الدستوري طموح وعملاق لكن لا تبدو طريقه سهلة، وخصوصاً أنّ التحذير الذي وجّهته المحكمة الدستورية لـ«العدالة والتنمية» في آخر تموز الماضي على خلفية تهمة تحوّله إلى «بؤرة للنشاطات المعادية للعلمانية»، لا يزال مسلّطاً فوق رؤوس المسؤولين الأتراككما أنّ المعارضة التركيّة لا تبدو عازمة على تسهيل المهمّة على الحزب الإسلامي المعتدل. لذلك، سوف يجد الحزب نفسه مرة جديدة، مضطراً إلى اللجوء إلى بعض هذه الأحزاب لتأمين غالبية الثلثين المطلوبة لإقرار تعديلات دستورية، كما سبق أن حصل في الصيف الماضي، عندما أعانه حزب «الحركة القومية التركية» على إمرار السماح بارتداء الحجاب في الجامعات، قبل أن تلغي المحكمة الدستورية التعديل.
وقد يكون ربط التعديلات الدستورية المطلوبة أوروبياً بإقرار دستور مدني جديد في رزمة واحدة، ضربة موفّقة من جانب «العدالة والتنمية»، بحيث إنّ من سيرفضه سوف يظهر للعالم أنه غير موافق على مسار تركيا الأوروبي.
غير أنّ هذه الحجّة قد لا تكون كافية، بما أن التعديلات المقترحة سوف تغيّر وجه تركيا جذرياً. إذ إنها، إذا أبصرت النور، سوف تلغي جميع صلاحيات العسكر من الحياة السياسية والقضائية. لذلك، سيكون موقف الأحزاب المعروفة بكونها الواجهة السياسية للعسكر في السياسة حسّاساً للغاية.
وأبرز التعديلات ستتناول قوانين الأحزاب والانتخابات وأنظمة المحاكم الدستورية والجزائية والإدارية بشكل لا يعود فيه وجود لأي دور عسكري، لا في القضاء ولا في السياسة ولا في التعليم والاقتصاد والحريات العامة وحقوق الإنسان، كما هو حاصل اليوم بموجب الدستور الذي وُضع بعد انقلاب عام 1980.
كما سيجري استحداث منصب هيئة دائمة لمراقبة الحكومة وحساباتها المالية سعياً وراء مكافحة الفساد وإيجاد حدّ أقصى من الشفافية في العمل الحكومي، بحسب ما هو معمول به في المعايير الأوروبية. كما سيُوضَع حدّ لدور المحكمة الدستورية في حلّ الأحزاب، وسيجري تفعيل عمل محكمة الحسابات لتصبح قادرة على مراقبة أموال المؤسسة العسكرية.
أما في ما يتعلق بمواقف أحزاب المعارضة من المشروع، الذي قدّمه رئيس المجلس كوكسال توبتان، فقد أعلن حزب «الشعب الجمهوري»، أكبر أحزاب المعارضة (112 نائباً)، رفضه المطلق للسير به. أما حزب «الحركة القومية»، فقد تفاوتت المعلومات بشأن موقفه. ففيما كشفت صحيفة «توداي زمان»، المقربة من الحكم، عن قبوله برزمة التعديلات، أشارت «دايلي توركيش نيوز» المقربة من العلمانيين إلى رفضه المشروع.
ويرى المراقبون أنّ «العدالة والتنمية» (340 نائباً) يجب ألا يعتمد على «الحركة القومية» (71 نائباً)، وأن يتّكل في المقابل على النواب الـ22 لحزب الأكراد، «المجتمع الديموقراطي»، لتأمين غالبية الثلثين المطلوبة (346 من أصل 550).
غير أنّ الإشكالية الأخطر، تبقى في اللجوء المرتقب لـ«الشعب الجمهوري» إلى المحكمة الدستورية لإلغاء مفعول «البرنامج الوطني» إذا أُقرّ، وعندها تكون تركيا قد عادت إلى الدوّامة التي تعيشها منذ تأسيس الجمهورية، التي تتلخّص في إفساح العسكر المجال أمام المدنيين للتصرف، قبل التدخّل حالما تمسّ الإجراءات مكانتهم في المجتمع والسياسة التركيّين.