باريس ــ بسّام الطيارةهل بدأت طبول الحرب ضد طهران تُقرع من باريس، معلنةً «نهاية المفاوضات التي تبدو كأن لا نهاية لها»؟ سؤال يطرح نفسه أمام تصريحات وزير الخارجية الفرنسي، برنار كوشنير، «الرجل الذي لا يصدأ» مهما تغيّرت الظروف.
لقد تحدّث كوشنير قبل أشهر عن «حل الخلاف مع إيران بالحرب». يومها هرعت وسائل الإعلام في البناء على «ما قاله الوزير» وتسارعت وتيرة التفسيرات والتبريرات. لكن الوزير نفسه أعرب، أول من أمس، عن الأمل بأن تتدخّل فنزويلا، الدولة الصديقة لإيران، لدى المسؤولين في طهران لتسهيل حل مشكلة الملف النووي الإيراني. وأعرب عن الأسف لأن «الإيرانيين لا يردّون على الاقتراحات الدولية»، مشيراً إلى أن «المخاطر تتراكم حول إيران ولا بدّ من التوصل إلى حلّ لهذه المشكلة الخطيرة»، ووصفها بأنها تجانب «خطراً ذريّاً عسكرياً».
إشارات متعددة تذهب في اتجاه التحذير من انطلاق عملية «الاقتصاص من إيران بسبب رفضها الانصياع لقرارات مجلس الأمن». بعض الخبراء أشار إلى مناورات فرنسية عرفت باسم «فولفا -08-02»، بدأت عدة مواقع متخصصة على شبكة الإنترنت بالتوسع بشرحها؛ «تأديب دولة بعدما أخطرها مجلس الأمن بضرورة وقف أبحاثها النووية ودعمها للإرهاب». وفي هذا التعريف تشابه غريب مع الصورة التي تنقلها العواصم الغربية عن إيران، لجهة «تأمين خطوط المواصلات بواسطة مجموعات قوات خاصة وقصف مُركّز على منشآت كهربائية للدولة المعنية.
هذه المناورات جرت بمشاركة طائرات «ميراج ٢٠٠٠» وطائرات «رافال» الحديثة وسفن بحرية عسكرية وطائرات «أواكس» حاملة رادارات وطائرات حرب إلكترونية لشلّ حركة المواصلات فوق أراضي المعركة.
أمام هذه المعطيات، لم يتردّد عدد من متصفّحي شبكة الإنترنت في طرح السؤال مباشرة: «هل تستعدّ فرنسا لخوض حرب على إيران؟». وفي الوقت نفسه، تكفّلت بعض المصادر بتسريب معلومات عن «رفض الإدارة الأميركية السماح لإسرائيل بضرب المنشآت النووية الإيرانية» في منتصف شهر أيار الماضي.
وبعد أسابيع، في نهاية شهر حزيران، كشفت مصادر عن تدريبات عسكرية قامت بها مئات الطائرات الأميركية والإسرائيلية من طراز «إف ١٥» و«إف ١٦» فوق شرق البحر الأبيض المتوسط، فيما تسارعت وتيرة تصريحات صادرة عن تل أبيب حول «المخاطر النووية الإيرانية». وفسّر عدد من الدبلوماسيين الأوروبيين هذه التصريحات بأنها «علامة بدء العد العكسي»، وبرر بعضهم إمكان «التملص الإسرائيلي من الاذن الأميركي» باقتراب نهاية عهد بوش.
أما الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي، فقد شدّد خلال زيارته إلى دمشق على إمكان حصول الضربة، واصفاً ذلك «بالكارثة».
كان ذلك قبل «غزو جورجيا» وقبل «الأزمة المالية العالمية»، وخصوصاً قبل انهيار حكومة الرئيس إيهود أولمرت في إسرائيل: فهل تغيّرت المعطيات؟
يجيب دبلوماسي عربي في باريس، بأن «المعطيات التي تقود إسرائيل لضرب إيران لم تتغير»، ولكنه يعترف بأن «واشنطن باتت مقتنعة بضرورة منع إسرائيل من التدخل»، مبرراً ذلك بأنه «يقلب الأمور رأساً على عقب ويهيّج المنطقة» وهو ما تم إيصاله إلى تل أبيب.
ويتحدث دبلوماسي أوروبي «عن جوّ عام يشير إلى إمكان أن تنفّذ واشنطن ضربة مؤلمة، ولكن غير مدمرة» لحثّ إيران على القبول بسلّة الحوافز. ويشير في هذا الصدد إلى «تحرك فرنسا للبقاء في جوّ ما يمكن أن يحدث».
وعن استعداد ساركوزي للمشاركة إذا كانت الضربة محدودة، يقود هذا إلى استنتاج بعض المراقبين أن «الضربة المحدودة» ستكون أميركية بمشاركة فرنسية بريطانية.
ويقول المتابعون للمناورات الغربية في السنوات الأخيرة، إن «الضربة المحدودة سوف تكون محدودة الأهداف والأضرار»، بشكل يبقي الباب مفتوحاً أمام النظام ليقبل بالدخول في مفاوضات، وإن العواصم الثلاث باتت مقتنعة بأنه لا يمكن إسقاط النظام عبر غارات جوية وضربات صواريخ بعيدة المدى مع توافق جميع الخبراء على أنه «لن يدوس جندي غربي أراضي إيران»، بل ستكون الضربات جوية فقط، تستهدف خصوصاً خطوط التوتر العالي ومحطات إنتاج الكهرباء ومحوّلاتها بسبب «حاجة محطات التخصيب إلى كميات عالية من الكهرباء» في ظل صعوبة ضرب المراكز النووية بحد ذاتها.
يهرب الخبراء من الإجابة عن سؤال حول موعد هذه الخطوة، غير أن بعضهم يضع «نافذة الفرص» في شهر كانون الأول، أي بين الانتخابات الأميركية وبداية الإدارة الجديدة. أما ردة فعل طهران فهي تمثّل العامل المجهول في هذه المعادلة الثلاثية بين استبعاد إسرائيل ومشاركة الدولتين الأوروبيّتين ونهاية عهد بوش بحرب خاطفة.