خطّة أمنيّة اقتصاديّة عسكريّة نفسيّة للتعويض عن الفشل الاستخباري الأميركيأرنست خوري
الجديد النوعي الذي حمله ثالث يوم يمر على تركيا بعد الخسارة الكبيرة بالأرواح جرّاء مقتل 17 من جنودها بهجوم مقاتلي حزب «العمال الكردستاني» على موقع «أق توتون» الحدودي مع العراق، هو إعلان حكومة رجب طيب أردوغان عزمها على السير بإعادة نظر سياسيّة في أساليب مكافحة «الإرهاب».
خلاصة أوحت بها تصريحات قادة حزب «العدالة والتنمية»، أمس، التي أشارت إلى أنّه على الأقل، في الأيام القليلة المقبلة، لن تشنّ القوات البرية حملة واسعة النطاق على شمال العراق، على غرار تلك التي شنّتها في مثل هذا الشهر من العام الماضي إثر عملية كردية خاصة أودت بحياة 8 جنود أتراك.
حصيلة عملية يوم الجمعة الماضي وصلت إلى 17 جندياً، مع إعلان الحزب الكردي أنه لا يزال يحتفظ بجثتين لجنديين سقطا في الموقع الذي يبعد 4 كيلومترات عن الحدود العراقية. والعملية على الموقع المذكور، تشير إلى فشل استخباري عسكري كبير، إذ هي الخامسة التي تستهدف «أق توتون» منذ عام 1992.
أكثر من ذلك، فقد كشفت الصحف التركيّة أنّه عندما شنّ المقاتلون الأكراد عمليتهم، كان قائد الموقع يحضر حفل زفاف محلّياً بدل أن يكون إلى جانب جنوده، ما دفع الصحافة التركية إلى شن حملة غير مسبوقة على جيشها الذي «لا يستطيع أن يوفر حماية جنوده المكلفين حماية الحدود»، على حدّ تعبير الصحافي محمد ألطان في «ستار». حتّى «حرييت» المقربة من العلمانيين والعسكر، تساءلت على لسان أحد أبرز أسمائها، أوكتاي إكشي، عن التحقيق الواجب إجراؤه لمحاسبة المقصرين داخل الجيش.
أمّا أردوغان، فبدا غير راغب في فتح النار على جيشه، بل على العكس، فقد حاول وقف السجال الدائر حول التقصير، عندما قال: «إذا كانت معنويّاتنا قد ضُربَت في وقت من الأوقات عندما كان يجب أن تكون في ذروتها، فكيف ستتمكّن قواتنا من التركيز على النجاح؟»، وذلك خلال مشاركته في تشييع أحد جنوده القتلى.
ومن الواضح أنّه قبل يومي الأربعاء والخميس المقبلين، سيقتصر ردّ الفعل التركي على مواصلة الغارات والقصف الموضعي على مواقع محددة داخل كردستان العراق. فيوم غد، من المقرر أن يصوّت البرلمان على تجديد التفويض العسكري للجيش للسماح له بشنّ حملات برية داخل حدود البلد الجار. أما الخميس، فسيكون موعد انعقاد «قمّة للإرهاب» أعلنها أردوغان، وفيها ستُقَر «خريطة طريق جديدة ومتكاملة» لمكافحة «الإرهاب» الكردي.
وقد كشف رئيس الوزراء عن بعض خيوط تلك الاستراتيجية «التي لا تقتصر على الإجراءات الأمنية، بل ستمتدّ بسرعة وفعالية إلى الجوانب النفسية والاجتماعية والاقتصادية والدبلوماسيّة»، وهو كلام وافق عليه القائد الجديد للجيش، إلكر باسبوغ.
وإذا كان أردوغان قد حصر إعلانه بالكشف عن العنوان فحسب، فقد تولّى نائبه جميل جيجيك، في مقابلة مع صحيفة «توداي زمان»، التفصيل بعض الشيء.
المقصود من الجانب الاقتصادي ــ الاجتماعي للخطة الشاملة، هو الإسراع بصرف مبلغ الـ12 مليار دولار لتدشين أكبر عملية تنمية في تاريخ تركيا، لتحسين أوضاع مناطق الأناضول في جنوب شرق البلاد، التي تقطنها غالبية كردية ساحقة، تمثّل البيئة الطبيعية والخزّان البشري لـ«العمال الكردستاني». كذلك تتضمّن خلق فرص عمل لـ4 ملايين كردي تركي، وافتتاح القناة التلفزيوينة الناطقة باللغة الكردية وافتتاح السدود الزراعية. وعلى صعيد الإجراءات الأمنية، لم يكشف أي مسؤول حكومي عن نيّة اجتياح شمال العراق كما حصل في الخريف الماضي، وهي الحملة التي اعتُبرَت خسارة كبيرة للجيش التركي. أما الشق الدبلوماسي فيتلخّص بزيادة الضغوط على الدول المعنية، أبرزها الولايات المتحدة والعراق وبعض الدول الأوروبية، للتشدّد في قطع تمويل وتسليح وتحرّك عناصر «الكردستاني» في العالم كلّه.
أمّا الارتجاج الكبير التي أحدثته عملية الجمعة الماضي، فهو على صعيد التنسيق الاستخباري الأميركي ــ التركي الذي اتُّفق عليه في 5 تشرين الثاني 2007 في واشنطن بين أردوغان وجورج بوش. هذا فضلاً عن التعبير عن يأس الأتراك من التعاون الكردي العراقي معهم، وهو ما أعرب عنه بوضوح أول من أمس، نائب رئيس أركان الجيش، حسن اغسيز، الذي حمّل أكراد العراق، سياسيين ومواطنين، مسؤولية التساهل مع «العمال الكردستاني»، لا بل دعمهم حتى.
وفي السياق، انتقل الغضب التركي إزاء الاستخبارات الأميركية، من الصحافة إلى الحكومة، وخصوصاً مع تأكيد بعض التقارير أنّ التنسيق الاستخباري الثنائي انقطع قبل وقت قصير من العملية الأخيرة «لأسباب لوجستيّة»، وهو ما سمح بوقوع المجزرة بحقّ الجنود الـ17.
وقد كشفت صحيفة «حرييت» عن إرسال وزارة الخارجية التركية رسالة إلى واشنطن عن طريق سفارتها في أنقرة، تتضمّن 4 نقاط يمكن اختصارها بالتالي:
ــ «نذكّركم بأنّكم لا تستطيعون التنصّل من حقيقة أن قواتكم هي المسؤولة عن كل ما يتسلل إلى أراضينا من العراق، لكونكم قوّة محتلة لهذا البلد».
ــ «نكرر ما سبق وقاله أردوغان للرئيس بوش في 5 تشرين الثاني 2007 من أنكم إذا لم تقوموا بواجباتكم في كبح المقاتلين الأكراد داخل العراق، فسنفعل ذلك بدلاً منكم» (في تلميح صريح باجتياح الأراضي العراقية واحتلالها).