إذا وافق مجلس الأمن التركي غداً على الخطّة الجديدة لمحاربة «العمال الكردستاني»، فستتغيّر طبيعة الصراع بين الطرفين، لكونها ستصبح حرب عصابات ضدّ عصابات
أرنست خوري
ترافقت المراجعة الداخليّة للإخفاق العسكري التركي الكبير الذي أدّى إلى مقتل 17 جندياً تركياً وجرح 23 آخرين في موقع «أق توتون» يوم الجمعة الماضي، مع كشف تدريجي لـ«خريطة الطريق» الجديدة المعدّة لمكافحة «الإرهاب الكردي»، والتي سيعرضها رجب طيب أردوغان على مجلس الأمن المركزي غداً، بعدما نال موافقة حزبه وحكومته عليها في اليومين الماضيين.
وعلى وقع صواريخ الغارات والقصف المدفعي المستمرّين منذ يوم الأحد على 23 موقعاً كردياً في تركيا وشمال العراق، توزّعت التصريحات التركيّة بين التلويح باجتياح برّي «دفاعاً عن النفس»، وأخرى تبرّر الخسارة في الأرواح بتأخير تل أبيب في تسليم أنقرة طائرات استطلاع ومراقبة من طراز «uavs» تساعد في تأمين قاعدة معلومات استخبارية لما يحصل في مناطق حركة مقاتلي «العمال الكردستاني».
لكنّ مصادر عسكرية رفيعة المستوى كشفت لصحيفة «توداي زمان» أمس عن تفاصيل مهمّة عن الشقّ الأمني للخطّة الاستراتيجيّة الشاملة.
وبات معروفاً أنّ الجانب الاقتصادي للخطّة يتعلّق بتسريع تنمية مناطق أكراد تركيا (صرف مبلغ 12 مليار دولار مقسمة على 5 سنوات) وإعادة جزء من حقوقهم الثقافية (افتتاح قناة تلفزيونية ناطقة باللغة الكردية).
أما دبلوماسياً، فالموضوع يتركّز على التشدّد مع دول غربية لا تزال تتساهل مع تمويل وتسليح حزب «العمال الكردستاني» بالإضافة إلى ممارسة ضغوط كبيرة على حكومتي بغداد وأربيل للتضييق على حركة المقاتلين، بانتظار أن يصبح التعاون الاستخباري الأميركي ـــ التركي أكثر فعالية.
بقي الشقّ الأمني ـــ العسكري هو الأكثر غموضاً في الخطّة، أمام عزم حكومة أنقرة عدم تكرار الخطأ الذي ارتكبه الجيش في العام الماضي في مثل هذا الشهر، عندما اجتاح أراضي كردستان العراق على مدى 8 أيام، عاد بعدها متكبّداً خسائر جمّة، من دون تحقيق أهداف تذكر.
وبعدما لوّح أردوغان أمس، خلال اجتماع عام لكوادر حزبه «العدالة والتنمية»، باحتمال اجتياح أراضي العراق «إذا ظهر لنا أنّ هذا الأمر ضروري، شرط التأكّد المسبَق من الحصول على النتائج العسكرية المطلوبة»، كشفت «توداي زمان» مجموعة من الخطوط العريضة لخطّة رئيس الوزراء التركي.
المشروع سبق أن أعدّه القائد الجديد للجيش إلكر باسبوغ في حزيران 2007، المعروف بعدائه المطلَق للحزب الكردي، وذلك عندما كان لا يزال مسؤولاً عن الجيش البرّي.
وبحسب مصادر عسكريّة تركية، فإنّ المخطّط يقوم على تغيير طبيعة الحرب التي يخوضها الجيش مع «العمال الكردستاني» الذي يعتمد أسلوب حرب العصابات. وتقوم الفكرة على استحداث قوّة خاصة تحتكر وحدها القتال ضدّ المقاتلين الأكراد، تتألّف من 15 ألف جندي، 7 آلاف يتمّ انتقاؤهم من قوات الشرطة الخاصّة والنخبة في الجيش فوراً، يُضاف إليهم 8 آلاف آخرون في العام المقبل، ينالون رواتب مرتفعة (تبدأ بـ2000 دولار كحدّ أدنى) مقارنة مع عناصر أفراد الجيش.
بذلك، لا يعود لعشرات الآلاف من الجنود أي دور على الحدود. وتشير الصحيفة إلى أنه من المقرر أن يتمّ سحب جميع عناصر الجيش النظامي عن الحدود الممتدّة من أرمينيا إلى سوريا مروراً بالعراق وإيران (يُقَدّرون بعشرات الآلاف) فور انتشار أفراد القوة الخاصّة. وبعد ذلك، سيتمّ الاحتفاظ ببعض المراكز العسكرية الكلاسيكية فقط لتؤمّن الدعم اللوجستي أو العسكري إذا احتاجت إليه هذه القوة، التي ستعتمد أساليب قتال شبيهة بأساليب «الكردستاني»، من ناحية قيامها على مبدأ حرب العصابات والعمليات الخاصّة السرية والخاطفة.
وتقول «توداي زمان» إنّ موافقة أعضاء مجلس الأمن (يضمّ وزراء وكبار ضبّاط الجيش والشرطة) غداً على بنود الخطّة، شبه مؤمّنة لكونها تحظى برضى أردوغان وباسبوغ. غير أنّ هناك ما لا يزال يقلق الحكومة، وهو شقّ تنصّ عليه الخطّة، يقوم على إلغاء قرارات صدرت في عام 2000، انتزعت من حكّام المحافظات الحكوميّة صلاحيّة إصدار أوامر للشرطة وللجيش بخوض عمليات سريّة (في حال وجود خطر «إرهابي») من دون الرجوع إلى الحكومة في أنقرة، ولا إلى قيادة الجيش حتّى.
وتُعَدّ هذه النقطة من الإصلاحات التي أصرّ الاتحاد الأوروبي على إجرائها تماشياً مع معاييره الخاصّة.
كذلك تنصّ الخطّة على إقامة منطقة معزولة بعمق 40 كيلومتراً داخل كردستان العراق من جهة محافظة هكاري التركيّة، تكون أيضاً بعهدة هذه القوة الخاصّة، «وذلك بشكل مؤقَّت». لكنّ الجديد هو أنّ هذا الموضوع سينقله قريباً الرئيس عبد الله غول على شكل طلب رسمي من نظيره جلال الطالباني.