القاهرة ـ وائل عبد الفتاح«الفلوس خلصت»! كان الرجل يتابع، بنصف عين، مانشيت الصحيفة: «يوم السقوط الأكبر»، ويفسر انهيارات البورصة بأنها «مؤمرات لسرقة أموال العرب»، ويضيف أوصاف السذاجة إلى ما يتصور أنهم ضحايا الأزمة المالية العالمية من أثرياء العرب.
الوقفة أمام بائع الصحف تحوّلت إلى ندوة عن البورصة. أحدهم قال: «هذه مصفاة يستخرجون بها الأموال من تحت البلاطة». صاحب التفسير مشغول بتبرير نسبة السقوط (16.8 في المئة) معتبراً أنها «خطة متفق عليها بين أميركا والحكومة المصرية لضخ أموال في الخزانة الفارغة»، متصوراً أنّ الهزة المالية مدبّرة. إنها نظرية المؤامرة.
أما زميله، فيردّ عليه «لا بد أن يعرف الواحد منا أين يضع أمواله». هذا التصور كان وراء الأزمة في البورصة المصرية بحسب خبراء قالوا إن يوم «الاثنين الأسود، شهد 33 ألف صفقة قام بها في الغالب أفراد وبطريقة عشوائية».
عشوائية الأفراد سببها الريبة وتحرك من تسميهم البورصة «صغار المستثمرين» تحت ضغط اللحاق بفرصة أخيرة.
هؤلاء مغامرون شطّار، تنتهي مغامرتهم بالفشل، بل بالانهيار كما حدث أمس في عمارة الاسكندرية، حيث بقيت 12 جثّة هامدة تحتها، حين تصوّر صاحبها أنه سيحصل على مكسب سريع بإقامة طابق إضافي خارج الرخصة. وستقوده المغامرة العشوائية إلى السجن.
وبالشعور نفسه للضحايا تحت أنقاض مغامرة الاسكندراني، تتوقع شرائح الفقراء كارثة كبرى مقبلة من سقوط البورصة، رغم أنهم لا يفهمون ألغاز حركة الأسهم.
شرائح مستريحة أقبلت على شراء الذهب باعتباره «المخزن المضمون» للمدّخرات الصغيرة، و«الملاذ الآمن» من مفاجآت الزمن الأسود.
سجّل سوق الذهب ارتفاعاً غير مسبوق من 121 جنيهاً للغرام عيار 21 قيراطاً إلى 137 جنيهاً في أسبوع واحد. هي ضريبة أخرى سيدفعها الضحايا الدائمون. هؤلاء الذين ينظرون إلى الصعود والهبوط بدهشة يستعيدون فيها ذكريات نزف الأموال في البورصة، بالتزامن مع شائعات مرض الرئيس.
«البورصة هي أرض العجائب» أو «ملاهي الاقتصاد»، يلهو فيها البعض بالأموال ليكسب «الباشوات»، ويتركون الفتات للمغامرين العشوائيين، من فاقدي الثقة بأي مؤسسة، سواء كانت سياسية أو شركات سمسرة في البورصة... هؤلاء هم الكتلة المتحركة الباحثة عن طريقة لاختراق حواجز صعود السلّم الاجتماعي وموانع الأمان المالي.
هؤلاء في الملعب، يناطحون الديناصورات. وبالنسبة إلى شرائح واسعة من الفقراء، إنهم «مشاغبون»، يستحقون الفرجة ويشبهون «المتظاهرين» الذين يشاكسون الحكومة والنظام، ويطالبون بأشياء مستحيلة.
في النهاية، يبقى المهم هو لقمة العيش. التظاهرات لن تؤثر عليها كثيراً، لكن ألعاب المغامرين في البورصة ومؤتمرات الديناصورات، ستجعل هذه اللقمة بعيدة المنال. هذه هي الصورة عند غالبية ترى السقوط الأكبر حجراً من جهنّم سيطحن الجميع، ويستقر على رؤوس الفقراء.
السياحة والأغذية والاتصالات، نالت الحظّ الأكبر من نزف أول من أمس. هو مؤشر إلى أن القطاعات الأكثر نجاحاً واستقطاباً للمغامرين الصغار، أصابتها عشوائية ردّ الفعل. هؤلاء الذين عادوا من الخليج بـ«تحويشة عمر»، أو الخارجون من شركات القطاع العام براتب مبكر، أو أصحاب مدخرات في نشاطات غير الوظيفة. هل يمتصّون الصدمة وتصلهم دعوات المتفرجين الفقراء؟
كالعادة، لم يتظاهر الخاسرون. ربما كانت الصدمة أكبر من تتبّعهم للضوء الأحمر (مؤشر الهبوط في شاشات البورصة).
أمام بائع الصحف، ظلّ سؤال صعب يتكرّر على جميع الألسنة: من أين كل هذه الأموال في البلد؟ يليه سؤال أصعب: أين ذهبت هذه الأموال الآن؟